Atwasat

ماتت الملكة.. يعيش الملك

جمعة بوكليب الأربعاء 19 أكتوبر 2022, 10:35 صباحا
جمعة بوكليب

أعلن البلاط الملكي البريطاني أن يوم السادس من شهر مايو 2023 سيكون موعداً لتتويج الملك تشارلز الثالث وزوجه. حفل التتويج سيكون في كنيسة "ويستمنستر آبي".

مقارنة بحفل تتويج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية في العام 1953، الذي استمر لمدة 3 ساعات، وحضره 8000 شخص، أربعة أضعاف سعة الكنيسة، فإن حفل تتويج الملك تشارلز سيحضره أقل من 2000 شخص، ويستغرق ساعة. والأسبابُ، استناداً إلى رجال البلاط، تعزى إلى تغير الأوقات، وإلى الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، وانعكست سلباً على المواطنين.

الاختلاف في مراسم التتويج بين العاهلين، لا يلغي حقيقة أن الاثنين تُوجا على قمة عهدين يؤرخان لانحدار ونهاية الامبراطورية، التي كان يقال إنها لا تغيب عنها الشمس.

الملكة الراحلة افتتحت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت بدورها مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار، وبالتالي، تفكك الامبراطورية البريطانية باستقلال مستعمراتها. وهي فترة نشوء مرحلة سيادة القطبين التي بدأ فيها نجم أميركا في السطوع إلى جانب الاتحاد السوفياتي، وبدء حقبة جديدة في التاريخ الإنساني، وغروب شمس الامبراطوريات نهائياً.

والملك تشارلز، الذي جلس على العرش أخيراً، بعد انتظار دام مدة سبعين عاماً، وما زال منتظراً تتويجه رسمياً حتى شهر مايو المقبل، سوف يكون، هو الآخر، علامة على حقبة تاريخية مختلفة في تاريخ بريطانيا، عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، تؤرخ لتواصل عملية انحدارها وقد تنتهي بتفكيكها.

وهناك احتمال أن يذهب اسمه وعهده في التاريخ بكونه الملك الذي انتهى في عهده الاتحاد البريطاني، باحتمال خروج اسكتلندا منه، وبروزها دولة مستقلة.

التطور التاريخي، حتم على ملوك بريطانيا، في مرحلة انحدارهم، إن أرادوا استمراريتهم وبقاء عروشهم، التنازل طوعاً عن حقوقهم المكتسبة تاريخياً، والرضا والقبول بالاحتفاظ بتاج مرصع بالجواهر الثمينة، بعد أن نزعت منه أثمن جواهره، ألا وهي جوهرة السلطة.

ملوك أوروبا، في هذا الزمن، مختلفون عن أسلافهم، حتى صاروا أقرب إلى فلكلور يذكر الناس بماضي بلدانهم وتاريخهم. لكنهم، وهذه حقيقة، أكثر حظوظاً من أسلافهم في الحفاظ على بقاء واستمرار رؤوسهم وعروشهم، من دون خوف من نيران الثورات، أو من محنة قطع رؤوسهم بالسيوف، أو من الإهانة بجرهم شبه عراة في الشوارع، وتعليقهم في حبال مشانق تنصب على عجل في الميادين العامة.

نزع جوهرة السلطة من تيجان الملوك الأوروبيين، لا يعني أنهم لم يتمكنوا، بمرور الوقت، من العثور على جوهرة- قوة جديدة، تسمى القوة الناعمة، تعوضهم عن خسارتهم. وبفضلها صارت تحج إليهم الوفود، ويطلب رضاهم وضيافتهم الرؤساء والزعماء والقادة، ويفد السائحون من مختلف بلدان العالم لكي يحظوا برؤيتهم، ويتمتعوا بجمال وفخامة قصورهم، بعد دفعهم الرسوم واجبة السداد، وهي ليست ضئيلة.

هل ممكن أن نكون شهود عيان على أوروبا بلا ملوك؟

سؤال ليس سهلاً التكهن بإجابته، حين يتعلق الأمر بملوك أوروبا، والرهان مقامرة مكلفة. ليس السبب أن أوروبا من دون ملوك أمر صعب التخيل، بل لأن ملوك أوروبا بجذور عميقة في التاريخ والقلوب والتراب، مما يصعب عملية اقتلاعهم.

ومن المفيد الإشارة، في هذا السياق، إلى ما شاهدناه من حضور شعبي هائل خلال جنازة ملكة بريطانيا، والحزن الذي خيم على كل البلاد. وهم، أي ملوك أوروبا، على عكس غيرهم ممن تبقوا من ملوك في القارات الأخرى، أبدوا مرونة كبيرة في تفهم الوضعية السياسية الجديدة، وعملوا على التكيف معها بما يضمن استمرارهم.

ومن جهة أخرى أضحوا، في أيدي حكوماتهم، أوراقاً رابحة، كونهم، كما يؤكد المؤرخون، عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار السياسي.

كما أفادوا بلدانهم بما أضفوه عليها من هيبة تاريخية وتقاليد ومراسم مازالت مثيرة للفضول والدهشة، وما حققوه لها من فوائد اقتصادية من خلال تحولهم إلى معالم سياحية تاريخية، يأتيها السائحون من كل فج، لزيارة قصورهم، واقتناء راياتهم وصورهم... إلخ.

الملك تشارلز الثالث يتهيأ، حالياً، لبدء حقبة ملكية جديدة، قد تطول مثل حقبة أمه الملكة إليزابيث الثانية، وقد تقصر، من يدري؟

السؤال: هل يتمكن الملك تشارلز من تسليم ولي عهده الأمير ويليام التاج البريطاني، كما تسلمه من أمه، بمحتوياته من الجواهر، بما فيها جوهرة اسكتلندا؟