Atwasat

قوافل الهجرة وورقة الضغط لليمين المتطرف

آمنة القلفاط الخميس 13 أكتوبر 2022, 04:53 مساء
آمنة القلفاط

قوافل المهاجرين القاطعة للطرق وحوادث الأيام الشائكة والحالكة براً وبحراً، في رحلة للنعيم الأوروبي المنتظر تتصدر عناوين الأخبار وافتتاحيات الصحف حول العالم. ونرى اليمين المتطرف يقطع شوطاً متقدماً في الانتخابات الأوروبية في سابقة لم يعهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. نتساءل هل هو اتجار بشري واستغلال من نوع لم نعهده من قبل؟

يُمارس التداول السلمي للسلطة في الدول الديمقراطية وفق استقرار آراء الناس وحسن قراءتهم لأوضاعهم في مجملها. قد يفوز الحزب المتطرف أو الحزب الذي ينتمي إلى اليسار وقد يرى أغلبية الناخبين مصلحتهم ومصالح بلادهم في اختيار الأكثر اعتدالاً. يفوز الحزب الأكثر شعبية وقبولاً في البلد التي تمارس الديمقراطية الحقيقية. وفق هذه القاعدة يمكن للانتخابات أن تستنير باتجاهات الرأي العام للتنبؤ بالحزب الذي سيحصد أغلبية الأصوات، حيث تعكس الجماهير التوجه السائد في عمومها.

من المجر إلى السويد والنمسا وصولاً إلى فرنسا وختاماً في إيطاليا الجارة لبلادنا في الضفة الأخرى للمتوسط، وجدت أحزاب اليمين المتطرف وتحالفاتها بيئة شعبية مواتية للفوز والتقدم. في فرنسا استطاعت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني المتطرف حصد القبول من أبناء فرنسا التي طالما اعتزت بما حققت من مكاسب في الانفتاح على الثقافات وقبول الآخر. رغم عدم فوزها، فإن ما حصدته ينبيء بتزايد أنصار الراديكالية في الشارع الفرنسي حيث نجح الحزب المتطرف في تشكيل كتلة برلمانية لأول مرة منذ العام ١٩٨٦. تصدر حزب فيديسز في المجر الذي يترأسه فيكتور أوربان نتائج الانتخابات التشريعية وتمكن من الحصول على الأغلبية في مقاعد البرلمان المجري بتحالفه مع الأحزاب المتطرفة. كما فازت الكتلة المكونة من اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالي بالانتخابات التشريعية في السويد وحصدت أغلبية المقاعد. تحالف حزب إخوة إيطاليا مع كل من الرابطة اليمينية وحزب إيطاليا إلى الأمام ليحصد ما مجموعه ٤٧ % من نسبة الأصوات، وبذلك تُحسب هذه النسبة هي الأعلى على الإطلاق التي سجلها اليمين المتطرف في تاريخ أوروبا منذ ١٩٤٥ إلى اليوم.

رغم تاريخ أوروبا العتيد في ممارسة الديمقراطية، والحق المشروع لأحزاب اليمين المتطرف في ممارسة حقها السياسي، يظل السؤال في هذا الانحسار في عقلية المجتمع الأوروبي لقبول الآخر والتعايش مع الجميع. ما يميز الدول التي ينشدها المهاجر هو توقيرها للقيم السامية ومن بينها احترام حقوق الإنسان وغرس القيم العليا، إنها كنتيجة لذلك، تغرس قيم العيش المشترك وتكافح خطاب الكراهية بكل أشكاله. لماذا هذا الإقبال على الأحزاب المتطرفة الرافضة لهذا الآخر والرافعة لشعار الوطن أولاً؟
وفق تصريح المفوض السامي لشئون اللاجئين في الأمم المتحدة فقد وصف الأحزاب اليمينية بعدم الضمير لأنها تستغل ملف الهجرة وأزمة اللاجئين لتحقيق المصالح السياسية، مضيفاً أنهم يطرحون مشكلة الهجرة كخطر محدق بالمجتمع، لضمان أصوات الناخبين.

الهجرة من مكان لآخر والتنقل الدائم سمة من سمات التاريخ، ولكن ما يشهده جنوب القارة الأوروبية الموازي لشمال أفريقيا، هو تدفق غير مسبوق ويتسارع بوتيرة عالية خلال سنوات العقد الأخير. فقد وصلت أعداد اللاجئين لمستويات قياسية منذ ٧٠ سنة والأعداد في تزايد مطرد.

تأتي أعداد كبيرة من المهاجرين، لأسباب متفاوتة، من بلدان لا تعرف الاستقرار وتعاني النزاعات وأعمال العنف بالإضافة للفقر في البنية التحتية والتخبط الإداري غير المسؤول. يمكن القول إن الفجوة الاقتصادية الهائلة تلعب دوراً في جعل البلدان المُهاجر إليها قبلة للشباب العاطل عن العمل. من الجدير بالنظر أيضاً ما ساهمت به وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في تعزيز هذه الصورة. عندما تتقلص فرص العمل وينتشر الفساد والمحسوبية وتقل المحاسبة، يعجز الجهد الفردي عن إيجاد حل، وما من حلول متاحة سوى الوصول لبلد الفردوس الأوروبي أو موت يخلصهم مما هم فيه من كبد.

يبدو أن لدى مواطني الاتحاد الأوروبي مواقف سلبية تجاه الهجرة القادمة من وراء البحار. ورغم الأعراف والقوانين الدولية المعنية بحقوق المهاجرين؛ فإن العنف والإعادة القسرية غير القانونية للمهاجرين الذين يتعرضون للضرب والسرقة وإتلاف المعدات الشخصية أمر يتصاعد في عدد من دول الاتحاد الأوروبي. ما لم يتحصل المهاجر على موافقة قانونية وأوراق شرعية فإنه يتعرض لأبشع صور الاستغلال، كما ورد في تقرير يحمل اسم «الكتاب الأسود عن الإعادة القسرية» والذي يحمل شهادة ١٣ ألف مهاجر حول وقائع تجري في بعض الدول الأوروبية عن العنف القاسي والسادي الذي يتعرضون له.

وفق الدراسات والإحصاءات فأوروبا تعاني الشيخوخة المتزايدة، وهي في حاجة لأيدٍ عاملة ومهارات السوق. عدد الذين ينتقلون للتقاعد، هم في حاجة لتكاليف الرعاية الصحية ويمثلون عبئاً على دولهم يتزايد كل سنة. الحاجة إلى سواعد العمل متزايدة أيضاً، ويمثل المهاجرون الشباب القوة الفعلية للعمل والإنتاج ودفع الضرائب كتحصيل حاصل.

ورغم تعقيد المشهد، بإمكان معالجة ظاهرة الهجرة بطرق أكثر فاعلية. في ليبيا مثلاً، يمكن للحكومات الأوروبية، إذا اتفقت حول ليبيا، النظر لهذا الملف والمساعدة في تحقيق الاستقرار للبلد، وبذلك يمكن السيطرة على الحدود ووقف تدفق الهجرة. يمكن تنظيم تدفق المهاجرين بإرساء القوانين المنظمة ووجود الإدارة الضابطة. يمكن الاستفادة من القوة العاملة القادمة من القارة السمراء ودول الجوار لصالح البلاد في وجود حكومة فاعلة ومؤسسات قادرة. الحلول المنطقية متاحة وممكنة التطبيق وتنعكس إيجابياً على الجميع، ولكن عودة اليمين المتطرف في أوروبا تقضي على جهود عقود من تبني القيم المجتمعية العليا ومن بينها تقبل الآخر والعيش المشترك.

العالم يتداخل ويتشابك كما لم يحدث من قبل. ثورة الإنترنت وتحول العالم إلى قرية صغيرة، من حيث سرعة انتشار المعلومة، كما أن تطلعات الشباب نحو مستقبل أفضل صارت القضية الأكثر أهمية. ثورات الربيع العربي وتخلخل بنية دولها في طريقها لتحقيق هدفها نحو ديمقراطية حقيقية، زادت من حدية المشكلة. ما تعرض له العالم من أزمات، لعل آخرها موجات الجفاف والحرب الأوكرانية دفعت الشباب إلى مرحلة أقرب لليأس. ركوب البحر المحفوف بالمخاطر ما زالت أخباره تتصدر مانشيتات الأخبار. هل سيجد شباب أفريقيا مستقبلاً كما يحلمون في القارة العجوز؟ وهل الانحياز يميناً سيحل الإشكال في أوروبا أم يفتح نوافذ وأبواباً وعودة للقوى الأكثر تطرفاً والتي قد تؤدي لمزيد من تعقيد المشهد وعودة القارة العجوز لأجواء النصف الأول من القرن العشرين.