Atwasat

بريطانيا: بدأ العد العكسي لخروج المحافظين

جمعة بوكليب الأربعاء 12 أكتوبر 2022, 10:10 صباحا
جمعة بوكليب

حين يبدأ الناس، أينما كانوا، بالالتفات إلى الوراء، بحثاً عن حلول لما يواجههم من معضلات، فهذا لا يعني سوى أنهم لا يملكون حلولاً وإجابات لما يطرحه واقعهم الحالي من أسئلة، ويسكنهم الخوف من المستقبل.

الهروبُ إلى الوراء، من الواقع الحاضر وأسئلته، بأمل إيجاد حلول متبقية في جيوب الماضي، لايختلف عن الهروب إلى الأمام، ولا يقود إلا إلى إضاعة الوقت والجهد، لاستحالة حشر ثوب الماضي المنكمش على بدن الواقع الحاضر قسراً.

تمكن أحزاب اليمين المتشدد مؤخراً، في عدة بلدان أوروبية، من الظهور على السطح السياسي، ونجاحها في دخول برلمانات كانت في فترات سابقة محظورة عليها قانوناً، أو التمكن من الإمساك بمقاليد السلطة، كما حدث في إيطاليا الشهر الماضي، إنما قام على أساس تدوير ذلك الوهم القديم، وتغليفه بأغلفة وأربطة جديدة، ذات ألوان زاهية، والترويج له في الأسواق.

وبالطبع، هناك دائماً من هو على استعداد لبلع الطعم. ما فعله اليمين الأوروبي المتشدد، في رأيي، يذكرنا بالتنظيمات الإسلاموية المتطرفة، آخذين الفارق في الاعتبار.

العودة إلى الوراء تستلزم بالضرورة إحياء الأموات. وما يحدث هو أن الزعماء المتسمين بالعجز يلجؤون إلى المقابر لنبش القبور، وإخراج ما تحتويه من بقايا، ورفعها عاليا كالرايات ليلتف الأنصار حولهم.

اليمينيون الفاشيون في إيطاليا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى وصول جورجيا ميلوني إلى الحكم في الشهر الماضي، ظلوا يلتفون حول راية زعيمهم موسوليني، ويحلمون بإعادة المجد الذي وعدهم به، وإعادة فرض سيادة روما على عالم، فعلياً وواقعياً، لا مكان لهم فيه إلا تابعين.

الشيء نفسه يطال حزب المحافظين البريطاني. فالحزب العتيد، منذ التسعينيات من القرن الماضي، وزعماؤه، واحداً إثر آخر، يبحثون على أفكار جديدة، بمستوى أفكار السيدة الحديدية مارجريت ثاتشر. وكلما ضاقت بهم الدائرة يرفعون رايتها عالياً، ليلتف حولها المناصرون.

السيدة ثاتشر، كما يراها المؤرخون والباحثون والمعلقون، سياسية نادرة تمكنت من إنجاز مشروعها السياسي. لكنها حين غادرت الساحة مطرودة، لم تترك لخلفائها فرصة للمناورة بخفض ضرائب، أو خصخصة قطاع عام، بعد أن باعت كل شيء. من الجدير بالإشارة، أن التخفيض الضرائبي في عهد السيدة ثاتشر، يؤكد المعلقون، لم يفد إلا الأثرياء فقط.

عبادة الموتى، صناعة سائدة، وبضاعة رائجة سياسياً، خاصة في أوقات الأزمات، حين لا تبدو في الأفق منافذ ممكنة للخروج، سوى بالهروب إلى الوراء. وهذا، في رأيي، ما يحدث على الساحة البريطانية، عقب وصول السيدة ليز تراس إلى زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، في اليوم السادس من الشهر الماضي.

فالسيدة تراس حتى قبل توليها رئاسة الحكومة، كانت تحرص على تذكير كوادر الحزب بأيقونتهم السيدة ثاتشر، بما ترتديه من أزياء أوغيرها.

السيدة تراس لم تكن الوحيدة. خلال حملة التنافس على الزعامة، حرص المرشحون الآخرون في خطبهم ولقاءاتهم بكوادر الحزب على لعب نفس الورقة.

وما حدث هو أن اختيار، وليس انتخاب، السيدة تراس من قبل 80 ألف عضوٍ، من مجموع 141 ألفا من كوادر الحزب، كشف حقيقة مهمة، وهي أن حزب المحافظين، بعد 12 عاماً من وجوده في السلطة، تعرض للاختطاف من قبل أقلية تمثل الجناح اليميني المتشدد في الحزب، يقودها غلاة المناوئين لوجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والحالمين ببعث المرحلة الثاتشرية إلى الوجود ثانية، متجاهلين حقيقة اختلاف الظروف، وما حدث، بعد ثاتشر، من تغيرات في حركة الواقع المحلي والدولي.

بريطانيا حالياً تعيش حالة من عدم التوازن السياسي. ورئيسة الحكومة لا تملك خبرة السيدة ثاتشر ولا رؤيتها وجرأتها، ولا تملك أيضاً تفويضاً شعبياً، ولا حتى ثقة أغلبية نواب حزبها. والبرنامج الانتخابي الذي أدلى الناخبون بأصواتهم عليه في انتخابات ديسمبر 2019، اختفى، ومكانه حلَّ برنامج يميني متطرف، ليبرالي النزعة، يرى أنصاره أن السوق، وليس الدولة، من تقرر سير الأمور في الواقع.

استطلاعات الرأي العام منذ وصول السيدة تراس إلى السلطة تشير إلى أن موعد مغادرة المحافظين السلطة قد أزف.

وما عليهم سوى إعداد حقائب السفر، والبحث عن وظائف أخرى بعيداً عن قرية ويستمنستر. وأن تفاقم اختلافاتهم، واتساع هوة انقسامهم، كما ظهر خلال المؤتمر السنوي للحزب، في الأسبوع الماضي، لم يعد ممكناً تجاهله، أو حتى جدوى محاولة تجسيره، خلال ما تبقى من مدة زمنية قصيرة، تفصلهم عن الانتخابات النيابية في عام 2024.