Atwasat

إسكات البنادق

نورالدين خليفة النمر الخميس 10 فبراير 2022, 12:03 مساء
نورالدين خليفة النمر

تواقت توليي مهمتي الإعلامية مع التدخل العسكري الليبي في تشاد ديسمبر عام 1980، فغيرت عبر محموعة عمل الإدارة التي ترأستها مهمة الإعلام إلى استعلام، ما تورده الصحف والمجلات وبالأخص الفرنسية عن هدا الحدث الأفريقي الصادم لهيبة فرنسا في أفريقيا. أهم الصحف كانت مجلة (أفريقيا الفتاةJeune Afrique)‏ التي ابتعثها السياسي والإعلامي التونسي البشير بن يحمد في تونس عام 1960. وبسبب مقال عن الحكم الفردي البورقيبي انتقل بها إلى باريس التي ظلت تصدر فيها مند عام 1961.
منذ عام تدخله العسكري في تشاد وتبعاته حتى عام هزيمته 1986 صار النظام الدكتاتوري الليبي الساقط بالثورة الشعبية في 2011 اهتماماً رئيسيا من اهتمامات مجلة جون أفريك. وعندما أضافت لاحقاً لنشاطها الصحفي إصدار الكتب حظي القدافي، إلى جانب رؤساء آفارقة آخرين منهم الرئيسان التونسي ابورقيبة والبوركيني سنكارا، بكتاب عن سيرته الزعامية.

في صيغة سؤال "ليبيا لمادا عُطل المسار؟" أوردت جون أفريك مستنسخة المجلس الرئاسي في ليبيا عن الرئاسة في تونس بأن ليبيا في مأزق وقد يقرر المجلس الرئاسي الليبي قريبا ترك صفة المراقب وربما سيزمعُ رئيسه إعلان حالة الطوارئ وفقا لما يخوله القانون وقد يجمد عمل مجلس النواب ويطرح الدستور على الاستفتاء وتحديد موعد جديد للانتخابات. واستطردت متشككة في المجلس الرئاسي أن يكون قادراً على هذا التصرف دون الدعم الدولي الذي ينقصه في الوقت الحالي .

يأتي مقال جون أفريك في توقيته كتوجيه لدرء عواقب التوتر الوخيم بين فرنسا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية، ومنها السلطة الانقلابية في مالي، الذي ينذر بإعادة تشكيل خريطة صراع دولي في المنطقة يدفع بروسيا إلى الواجهة أكثر، على خلفية طرد السلطات العسكرية الانتقالية السفير الفرنسي المعتمد لدى مالي، رغم أن جنوداً فرنسيين منخرطون منذ 2013 في محاربة حركات إرهابية ضمن ما يعرف بقوات الساحل الخمس. وهدا التصعيد المالي يأتي بناءً على اتهام عبر عنه رئيس حكومتها لفرنسا بدعم جماعات انفصالية في شمال البلاد قدمت من ليبيا، بعد إطاحة نظامها الدكتاتوري بالثورة الشعبية عام 2011، التي لعبت فيها الحكومة الفرنسية آنئد دوراً عسكريا حاسماً. وتزعم سلطات مالي أن القوات المتمردة مدعومة من فرنسا، وتلقت تمويلاً مباشرًا بالسلاح والذخيرة من حكومة باريس .

ويؤيد هده المعطيات التقرير الدي أوردته صحيفة الوسط بأن التأزم الذي تشهده العلاقة بين فرنسا ومالي بمثابة ثمن فاتورة تدفعه فرنسا جراء طموحاتها الجيوسياسية في ليبيا، من دول الساحل والصحراء، بعد ارتفاع وتيرة الانقلابات العسكرية في أكثر من بلد أفريقي، وآخرها بوركينا فاسو، حيث تبين لباريس متأخراً أن أول جهد ينبغي عليها القيام به هو قطع الطريق على التغلغل الروسي عبر وكالة المرتزقة "فاغنر" وبتواطؤ من قيادة مسمى الجيش الليبي في المنطقة بعدما كانت سبباً مباشراً في تثبيته في فزان، وفي هدا الصدد تقدم الأوساط الفرنسية بعض المعلومات الدالة على استخدام ليبيا كمحطة لتعزيز نفوذ الكرملين في مالي.

التورط الروسي وامتداده الأفريقي عبر الأراضي الليبية، صار يشغل فرنسا. فموسكو لم تكتف بغض النظر عن تواجد مرتزقة فاغنر الروسية في الشرق وجنوب ليبيا بل إن روسيا عبر سوريا حسب ما أوردته شبكة "السويداء 24" السورية المعارضة، أنه إلى جانب فاغنر سهلت روسيا نقل مرتزقة سوريين تعد كتائبهم بالآلاف من قاعدة حميم السورية إلى الجفرة بوسط ليبيا منتشرة حتى الجنوب الليبي كحراس لمنشآت نفطية ليبية تسيطر عليها روسيا عبر وكيلتها مرتزقة فاغنر .

رئيس المجلس الرئاسي الدي جلبته وقائمته للفوز ضرورة إزاحة قائمة رئيس برلمان طبرق ـ ووزير داخلية حكومة الوفاق السابقة، لم يظهر كفاءة ملموسة في منصبه إزاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية التي تعصف بها محاولة إزاحتها من قبل الثنائي رئيس البرلمان ـ ووزير الداخلية السابق الذي يستميت في تولى رئاسة حكومة بديلة، وهو ماتقف مستشارة أمين الأمم المتحدة في ليبيا، ووراءها السفير الأمريكي، ضده كمحاولة من طرف رئيس البرلمان لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية. والسبب الرئيسي الكامن وراء الممانعة الإلحاح الغربي لحسم قضية طرد المرتزقة الروس والقوات الأجنبية من ليبيا. وحسب المعطيات الفرنسية التي ألمحنا إليها آنفاً يبدو جلياً أن باريس ستلعب دوراً عسكرياً حاسما في مسألة طرد وكالة المرتزقة من ليبيا بعد تفاقم امتدادها في بلدان الساحل والصحراء الأفريقية .

يلحظ المتابع التغطية الإعلامية اللافتة التي حظيت بها مشاركة رئيس المجلس الرئاسي الليبي في أعمال قمة الاتحاد الأفريقي، في دورتها العادية الخامسة والثلاثين، التي انعقدت بفبراير الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، المشاركة الليبية جاءت تعزيزاً لشعار القمة «إسكات البنادق في القارة». حيث تصدرت الأزمة الليبية جدول أعمال القمة علاوة على ملف الانقلابات العسكرية غير المسبوقة في عدة دول وأزمات كالسودان والصومال وتشاد ومالي، وهي دول تحضر لعمليات انتخابية، وفي مقابل هدا الملف الساخن ضم جدول أعمال القمة أيضاً نقاشًا حول التغييرات غير الدستورية التي يقف خلفها عسكريون في بوركينافاسو وتشاد ومالي والسودان وغينيا.

في اللقاءات على هامش حضور رئيس المجلس الرئاسي الليبي لقمة آديس أبابا اجتماعه اللافت مع نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا لبحث تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا. المعلن عن المقابلة الروسية ـ الليبية أكمة تخفي ماوراءها. أي محاولة روسيا استشفاف الحضور الأفريقي لليبيا في القمة ممثلاً في رئيس المجلس الرئاسي. وإدا ما كانت هناك أجندة فرنسية تخص مرتزقتها تختفي وراءه .

يبرز في الجانب العسكري حسب تقرير "الوسط" أهمية ما أوجزه رقمياً من روما قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» في ما نقلت مضامينه وزارة الخارجية الأميركية، تعليقًا على التوتر في مالي بإن ما يدفع إلى القلق جلب المجلس العسكري «المرتزقة» الروس إلى بلادهم، مؤكدًا أن المئات منهم متواجدون على الأرض ويتوسعون إلى عدد غير معروف في مالي، مضيفًا «هؤلاء هم مرتزقة فاغنر من روسيا، وقد شاهدت هذه المجموعة في ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وفي موزمبيق، ولم يتركوا الوضع أبدًا أفضل مما وجدوه، وسوف يتسببون في مزيد الضرر». رد الهيبة سياسة فرنسية في أفريقيا هل يجددها طرد المرتزقة، بما يذكرنا بعام 1986 وقتما دحرت فرنسا القوات الليبية في تشاد .