Atwasat

خصوصية ظاهرة الانتفاضات الشعبية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 03 أكتوبر 2021, 10:00 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تسلك الشعوب الرازحة تحت نير الاحتلال أو الواقعة تحت وطأة الاستبداد والدكتاتورية، سلوكا غريبا في ما يخص الانتفاضات والهبات الشعبية (والحديث هنا يقتصر على الانتفاضات دون حركات التحرير والمقاومة). ومصدر الغرابة الذي نعنيه يكمن في "اندلاع" هذه الهبات والانتفاضات بشكل مباغت يند عن أي توقع مسبق. يظل شعب ما خاضعا على مدى عقود طويلة للاحتلال أو الاستبداد، وفجأة تشعل شرارة بسيطة انتفاضة عارمة. طبعا غالبا ما يتم قمع هذه الانتفاضات وإخمادها، إلا أن الأوضاع التي كانت مرينة قبلها لا تستأنف سيرها السابق بعدها. وسأركز هنا على مثال واحد بارز، هو مثال انتفاضات الشعب الفلسطيني.

سنة 1982، بعد الاجتياح الصهيوني للبنان وإجبار المقاومة الفلسطينية على الخروج من هناك، صرح الزعيم الفلسطيني الكبير ياسر عرفات بأن القضية الفلسطينية دخلت في نفق يرى القدس تلوح في نهايته.
وسواء كان ياسر عرفات صدع بتصريحه هذا من باب المكابرة والعناد المقاوم الذي يأبى الاعتراف بالهزيمة، أم أنه كان يتوقع ما سيحدث لاحقا، فإن "نبوءته" قد صدقت. إذ تفجرت، ولأول مرة في تاريخ صراع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الاحتلال الإسرئيلي، انتفاضة عارمة سنة 1987، استمرت إلى سنة 1990.

ويبدو أن محرك هذه الانتفاضة كان فشل مشروع التحرير السابق المعتمد على أسلوب التحرير من الخارج. فبواقعة إخراج قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان، لم يعد أمام الشعب الفلسطيني الرازح تحت وطأة الاحتلال الصهيوني العنصري في المناطق المشار إليها، إلا الاعتماد على نفسه سبيلا للتحرير، أو، على الأقل، للمقاومة. وقد أدى مسار هذه الانتفاضة وما صاحبه من ملابسات، إلى اتفاق أوسلو الشهير بين منظمة التحرير الفلسطينة والدولة الصهيونية.
وبذا تكون نبوءة ياسر عرفات، أو توقعاته، قد تحققت، وإن بقدر ما.

بالنسبة إلى انتفاضات ما سميَّ "الربيع العربي" أخذت الأمور طابعا مختلفا. فانتفاضة الشعب التونسي كانت انتفاضة مباغتة فعلا وعارمة ادت إلى سقوط النظام الدكتاتوري. لكن يبدو أن انتفاضات مصر وليبيا وسوريا واليمن، كانت متوقعة، على نحو ما، وإن كان قبيل حدوثها، بسبب ما أسفرت عنه انتفاضة الشعب التونسي. إذ يبدو لي أنه لولا الانتفاضة التونسية لما اندلعت الانتفاضات الأخرى.

لكن حكمي هذا يتنافى مع الملاحظة التي بدأت بها المقال، حول غرابة سلوك الشعوب الواقعة تحت اضطهاد استعمار أجنبي أو نظام استبدادي محلي!.