Atwasat

تحطيم الأصنام

نورالدين خليفة النمر الإثنين 16 أغسطس 2021, 10:14 صباحا
نورالدين خليفة النمر

عقد الانتخابات، في أي 24 ديسمبر قادم ! مساهمة في بناء عقل ديمقراطي ليبي، يتجاوز العقل الدوغمائي الذي يقوم بطبيعته كعقل: (أ) برسم صور ذهنيَّة تجريديَّة ونمطيَّة تتأثَّر غالبا بالتَّقليد،(ب) بخلق انطباعات أوليَّة تتحوَّل إزاء تعريفه للأشياء إلى مفاهيم وأفكار مستقرَّة تأخذ صفة التكرار والاستنساخ، (ج) خلطه لانطباعاته بجملةٍ من الأوهام، سمّاها الفيلسوف التجريبي فرنسيس بيكون بـ «أصنام العقل» وحدّدها في أربعة نرّتبها في ثنائيتين حسب ردود الفعل إزاء ما رشح من إجراءات المفوضية العامة للانتخابات تخص تقسيم المنتخبين إلى دوائر في الانتخابات التشريعية والرئاسية المُزمع عقدها في 24 ديسمبر 2021 .

1 ـ 1 : صنم السوق Market-place Idol، وهو الآراء الواهمة والمعتقدات المغلوطة الناتجة عن التداول بين البشر وتناقلهم الأحاديث دون علم. وينتج عن هذا الصنم تشويه المصطلحات والتعريفات وتعميم الأمور، بسبب تداول البسطاء والعامة والدهماء لآراء وأفكار من بيئات معرفية أجنبية عنهم دون فهم ولا دراية ولا تمحيص ولا دراسة.

فأوهام السُّوق تُصنّم كحالة مُجتمعية تُسيطر فيها السطحيَّة والعاميَّة والتعميمات الهلاميَّة والأُخْيُولات على تصوُّراتِنا للأشياء، فتُوضع ألفاظ لأشياء افتراضيَّة غير موجودة أصلاً، أو لأشياءٍ غامضة ومتناقضة، تعبر عنها حوارات وجلسات مؤتمرات تدورُ وتتمحور كلها على مجرَّد ألفاظ وتعبيرات عائمة غير محددة المضامين والمعاني.

1 ـ 2 صنم المَسْرَحْ Theatre Idol وأوهامه المقصود بها الفرضيات والثقافات والأعراف المُتوارثة وما تحوزه من مقامٍ وما تمتلكه من نفوذ تلك التي تُمرّر لنا بدون نقاش ووعي عبر مناهج التعليم وآساليب التلقين بما تفرضه الأعراف السائدة وما تُلزم به مقتضيات السُّلطة.

2 ـ 1 صنم القبيلة Tribe Idol : أي الأوهام الناشئة من طبيعتنا البشرية، الميّالة إلى تعميم بعض الحالات دون الالتفات إلى الحالات المُعارِضة لها، وبالتَّالي تحويل المُمَاثَلةِ الجزئيَّة إلى تشابُه وتواطُؤ أو مُطابَقة تامَّة.فهناك فرضية تؤخذ علّة في التشكيك في الانتخابات،بغرض تعطيلها تقوم على حُكم مُسبق بأن الدوائر الانتخابية في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، كانتخابات المؤتمر الوطني 2012 والبرلمان 2014 توزعت حسب واقع المنتصر والمهزوم في الثورة الشعبية عام 2011. وهو ما لمح إليه عميد بلدية بني وليد ، البلدة التي مازالت يسيطر عليها مجلس اجتماعي قبائلي.

ولا تعترف بنظام المجالس المحلية الذي طُبق لتجاوز شعبيات وفوضويات النظام الجماهيري وزبونيته التي استثمرت في القبيلة حتى سقوطه الكارثي بالثورة الشعبية عام 2011.

المُستغرب مقترحه لترسيم الدوائر الانتخابية بإضافة عامل غريب للعاملين المحتسبين في الانتخابات الديمقراطية المساحة والسكان .فيقحم الاعتبارات الاجتماعية ويعني القبائلية .

2 ـ 2 صنم الكهف :Cave Idol أي الأوهام الناشئة من طبيعتنا الفرديَّة أي شعورنا العميق بالفردانيَّة والتَّفرُّد أو صيغ التَّوَحُّد مع الذَّات،إنغلاقاً عليها كإنسداد كهف أفلاطون .وهذه الأوهام تعبر عنها الأطراف المحسوبة على الجماعات الأنفصالية التي تتخفى تحت مسميات غير واضحة المطالب والأهداف أبرزها الدعوة لتبني الفيدرالية كنظام تم تطبيقه بعد الأستقلال الليبي 1951 ، وتم إلغاءه بإرادة ملكية لم تقابل بالرفض الشعبي من الإقليم البرقاوي الذي تستند إليه الدعوة المُسماة بالفيدرالية، واستبداله بالنظام التوحيدي 1963 .

كما تموّه أنانيتها وأطماعها بإدعاء حقوق أقاليمية متوهمة بأنها تاريخية. وهذا ما شدد عليه عضو البرلمان من شرق ليبيا، الذي يظهر لقبه مُسمى قبيلته.

بضرورة إدخال معايير أخرى بخصوص شروط الترشح للانتخابات الرئاسية دون الاكتفاء بمعيار الكثافة السكانية، وأدعي بأن طرابلس هي الأعلى في نسبة السكان، وهكذا سيكون منصب الرئيس مضمون للطرابلسية، وتوقيا من استحواذهم على منصب رئيس الدولة يجب إدخال معيار المساحة الجغرافية والثروات الطبيعية ويعني حقول النفط التي تتعسف الجغرافيا القبلية بموضعتها في الشرق الليبي وحده .

في عام 2012، حيث لم تُصيّر النزاعية ليبيا بعدُ بيئة إنقسام .تحددت الدّوائر الانتخابية كما هو متبع في الانتخابات العادية حسب الاعتبارات الأساسية المتعلّقة بالتمثيل السكّاني والتوزّع الجغرافي وجرى تقسيم الدوائر بمراعاةٍ للعوامل المحلّية والجهويّة. وقد أُدخِل عامل التّوزيع الجغرافي، ليزيد أو يقلّل من حصّة كلّ مقعد انتخابي، من أصل مائتين بالنسبة إلى عدد سكّانٍ يصل إلى 5.3 ملايين نسمة (بحسب تعداد عام 2006)؛ بحيث يكون لكلّ 27.000 مواطن مقعد واحد.

وبعد تقسيم البلاد إلى ثلاث عشرة دائرة انتخابية رئيسة، كلٌّ منها ينقسم إلى عدد من الدوائر الفرعية؛ اضطّر إلى مراعاة الاعتبارات الجهوية، حرصاً على التوافق والإجماع الوطني، وما يتمّ طرحه في الشارع من ضرورة أن لا تهيمن أيٌّ من المناطق الثلاث على البقيّة داخل المؤتمر الوطني العامّ .

وقُسِّمت المقاعد على المناطق الأربع على النّحو التالي: المنطقة الشرقيّة: 60 مقعدًا، والمنطقة الجنوبية: 31 مقعدًا، والمنطقة الوسطى: 9 مقاعد، والمنطقة الغربية: 100 مقعد. ويظهر من هذا التوزيع، أنّ المنطقة الغربيّة (وفيها العاصمة طرابلس) تحتّل نصف مقاعد المؤتمر.

ويبدو أنّ إدخال تعديل على الإعلان الدستوري في 12.03.2012،على نحوٍ يجعل قرارات المؤتمر الوطني تُؤخذ بأغلبيّة الثّلثين؛ قد لا يكون بعيدًا عن هذه الحسابات الجهويّة.لقد وقع في التقسيم المعتمد للدوائر، تهميش التّمثيل النسبي في دوائرَ فرعيّة، وفي معظم الأحيان في وحدة فرعية من كلّ دائرة انتخابية كبرى؛ ممّا يُظهر نظام التمثيل النسبي كتمرينٍ في النسبية أكثر من كونه تفعيلا لها. ومن الواضح أنّ الاعتبارات المحليّة، قد روعيت أيضًا في الشكل الذي تظهر به الوحدات الانتخابية الفرعية ،والتي تصل إلى 110 دائرة فرعيّة،بأوزان مختلفة من منطقةٍ إلى أخرى .

الشعور بالفردانية، والتفرّد نزعة بدوية استثمرها النظام الدكتاتوري الساقط بالثورة الشعبية عليه 17 فبراير عام 2011 بعد فشل تجاربه الوحدوية التي اكتسب بها شرعية قبوله شعبياً بداية سبعينيات القرن الـ 20 .وقد نظرّ لها وجسدها في نظامه الجماهيري .

فنكص إلى بدويته، متوّحداً مع الذّات في صيغة هوّية مُضيّقة، تطابق الكهف الذي صوره رمزياً الفيلسوف اليوناني أفلاطون بما يقارب كهوف المتصدرين المشهد الانقسامي الليبي الممثلين في البرلمان ومجلس الدولة وملتقى الحوار السياسي، الذي تم اللجوء إلى تكوينه للخروج من إنسداد السلطة في البرلمان ومجلس الدولة.

حيث ينظر كل جسم أو طرف ومن يمثله إلى نفسه كالقابعين في كهف أفلاطون ينظرون منه إلى العالم ،ظلالاً تنعكس على جُدرانه الدَّاخليَّة إذ يتماهى نور الطَّبيعة برغائبهم فيتَّخِذُ لوناً يغذي جهلهم ويُرضي أنانياتهم.