Atwasat

حقول العزلة.. أقراط في أذن السماء! (1- 2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 16 مارس 2021, 12:47 مساء
أحمد الفيتوري

ألا تعطي الصحراء الحرية بلا حدود،
وفي نفس الوقت،
تضع العابر، تضع المريد،
في حافة الخطر؟.
أليست مملكة الصحراء،
من خلال هذه الأضداد،
رديفا صارما لأعجوبة اسمها الحياة؟

• إبراهيم الكوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ليبيا بحر من الرمال والماء، أو إمبراطورية الرمل، لكن هذه الصحارى الكبرى جزر من واحات الدهشة، التي ستصيب كل من يجوس هذه الإمبراطورية، يطلع الماء فجاءة كما الكمأ أو ترفاس الصحراء الليبية، تطلع الخضرة والنخيل أقراط ليبيا السماوية لغز الإنسان وروح الأبدية الكتوم. هذا اللغز ما تعين في لوحة جبرين من رسم لوحات تاسيلي، ذلكم الرسام الأبكم من أنطق الخط واللون قبل أي أبجدية: [تتنفس الصحراء في وجه البحر غبارا، وتغزو المعشوق بهبات الرمل، ويدمدم البحر، ويثور حتى يلفظ زبدا، ويندفع لملاقاة أمواج الغبار، فتبدأ شعائر المشادة الخفية، ويحتدم الصراع.].

ضب تعزقه في النار، بعد أن تقطع رأسه، فينهض مولودا، غزالة تخرق الفضاء، "ترفاس" الكمأ يندس في الرمل، ثيران بلون الدم المحروق، وعل بجسم فيل، صيادون يسبحون في هيولى ترتديهم خوذ فضائية، رمح في اليد وسهام تتعلق بالخاصرة، مشهد قنص كبير، راقصون نحاف، الإله عظيم والنسوة مصليات، مشهد تقديم الضحايا للآلهة ذات الرؤوس الطيرية، اللون أخضر داكن.. أحمر طيني.. أصفر ليموني.. وأبيض، الخلفية أصفر جيري:

[… كنا ، باختصار، نواجه أعظم متحف فني، لما قبل التاريخ فى العالم كله. فقد كانت هنالك صور، ذات ميزة جمالية عالية جدا." كالصور التى بالحجم الطبيعي لنساء سافرات "، ولو كانت آية مدرسة فنية، فى أي عصر من العصور، قد جاءت بمثلها، لكان ذلك دليل تفوقها وقوتها. إن الفن التاسيلى، يساعدنا على تتبع الحياة الحيوانية، وبالتالي تتبع التقلبات المناخية، ومن ثم نعرف الكثير عن ذلك الإمحال التدريجي، الذى تمخض عن هذه الصحراء القاسية. لدينا هنا بعض الاكتشافات المهمة إذا، وهذه الاكتشافات تتيح لنا أن نفهم ما حدث عبر ثمانية آلاف سنة، من تاريخ أكبر صحراء فى العالم - بل فى تاريخ الإنسان]… هكذا تحدث هنري لوت، عالم الليبيات القديمة، مكتشف لوحات تاسيلى، فى كتابه عن هذا الاكتشاف.

فى هذه الأرض، التى ستصير الصحراء الكبرى، ظهرت اللغة الأولى للإنسان: الرسم، النقش على الحجر، لغة الوجود ومشكل الخلود، قبل أن تظهر فى أهراماته، وكان هؤلاء الرسامون هم من أسمتهم - فيما بعد - الإلياذة: سكان لوبيا، والذين ذكرهم هيردوت، فى سفر تاريخه بأنهم الليبيون الذين حاربوا القبلى، ريح الجنوب ولم يبق لهم أثر. قال هيردوت، دون أن يجزم بصحة الرواية: [أنه حدث في باسيلي، أن جففت الرياح الآتية من الصحراء جميع الآبار، فتشاور الناس فيما بينهم ماذ يصنعون، ثم زحفوا كتلة واحدة، يشنون الحرب على الرياح الجنوبية، لكنهم حينما توغلوا في الصحراء، اكتسحتهم رياح السموم، ودفنتهم جميعا في رمالها].

العقيب منهم، سوف نراه فى قورينا – شحات الآن –، ينحتون التماثيل ويتسفسطون فى المدرسة القورينائية، مدرسة مذهب اللذة وفيلسوفها أرسطيفوس، الذى ضارع ما وصل إليه أفلاطون، حسب رأى عبد الرحمن بدوي.
ويعلق الشاعر الليبي سعيد المحروق، على اكتشاف أول لوحات رسمها إنسان:"إن لم يكن (جبرين) صخرا من صخور تاسيلى، فهو عقرب أو سحلية أو عظاية أو ضب من زواحفها لذلك، فحين ما حط (هنري لوت) فى تاسيلى، ليسلخ فيها ستة عشر عاما، لم يجد سوى جبرين، يدله على دروب المنطقة الوعرة، ويكتشف له المزيد من الكهوف، التى تعج بحضارة ما قبل التاريخ .

فيما بعد، أصبح كتاب (لوحات تاسيلى)، لمؤلفه هنري، من أهم كتب تاريخ ما قبل تاريخنا، بل ما قبل تاريخ الإنسان أينما كان، هذا ما يقوله المختصون، أما بالنسبة لى فلم يكن يهمني، كما لم يرسخ فى ذهني من (لوحات تاسيلى)، سوى لوحة واحدة: إنها (لوحة جبرين). وعلى الرغم من أنها تشترك مع بقية اللوحات، فى كونها - نقشا يعود الى ما قبل التاريخ، فإن أحدا لم يرسمها…".