Atwasat

أورفوار مسيو ساركوزي

جمعة بوكليب الخميس 11 مارس 2021, 12:10 صباحا
جمعة بوكليب

في الأسبوع الماضي، عقب صدور الحكم على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاس ساركوزي، كتب الصحفي البريطاني تشارلز بريمنر معلقاً: «الفساد والمتاعب مع القانون في السياسة الفرنسية لم تكن، طيلة عقود، عقبة كبيرة لمهنة السياسة، خاصة لليمينيين».

قبل أن ينظر القضاء في تهم الفساد واستغلال النفوذ ضد الرئيس الأسبق نيكولاس ساركوزي، في محاكمة استمرت لمدة ثلاثة أسابيع، ويُصدر ضده حكماً بثلاثة أعوام بالسجن. اثنان منهما مؤجلان، وعام عقوبة واجبة النفاذ، أصدرت المحاكم الفرنسية، في السابق، أحكامًا على عديد من الساسة الفرنسيين. آخرها كان الأسبوع الماضي بسجن فرانسوا لوتارد وزير دفاع سابق لمدة عامين مؤجلين وبدفع غرامة مالية كبيرة، على تهم بالفساد المالي. وقبل ذلك، كان الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي صدر ضده العام 2011 حكم بالسجن المؤجل لمدة عامين، بتهمة سوء تصرفه في أموال عامة، خلال توليه عمادة بلدية باريس. القائمة تشمل أيضاً رؤساء حكومات مثل آلان جوبير ومرشحين للرئاسة مثل فرانسو فيلون، وغيرهم. ما يميز ساركوزي هو أنه سيكون الرئيس الوحيد الذي صدر ضده حكم بنفاذ عقوبة الحبس. أضف إلى ذلك، أن هناك قضيتين أخريين في انتظاره. الأولى تتعلق بمزاعم بزيادة غير قانونية في الانفاق مالياً على حملته الانتخابية العام 2012، والثانية تخص مزاعم بأموال استلمها من العقيد القذافي العام 2007.

والسيد ساركوزي مازال، حتى الآن، طليقاً، ولم تقفل عليه أبواب زنزانة ضيقة في سجن من سجون فرنسا العديدة، إلا إذا صادقت محكمة الاستئناف، في الفترة القليلة القادمة، على حكم المحكمة الصادر ضده، بعد النظر في الطعن الذي تقدم به محاموه. وحتى في حالة المصادقة على الحكم، فهو لن يدخل السجن، بل سيسجن لمدة عام في بيته، وحول ساقه سوار الكتروني لمراقبة تحركاته. نهاية محزنة لرئيس سابق كان يهيء نفسه للعودة إلى الأضواء في انتخابات العام 2022 القادمة، ليكون مجدداً سيد قصر الإليزيه، فإذا به، بين ليلة وضحاها، يصير رهين محبسين: السجن والعار. من كان يظن أن الحلم الذي سكن عقل وقلب طالب جامعة السوربون، في الستينات من القرن الماضي، وأوصله إلى ارتقاء أعلى المناصب تحول في بداية العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين إلى كابوس مرعب؟!

«زمن العواصف – The Time of Storms» عنوان الكتاب الذي أصدره ساركوزي في العام الماضي، حول سنوات وجوده في الحكم، وارتقى بسرعة رأس قائمة أكثر الكتب مبيعاً في فرنسا. ويبدو أن العواصف التي تعرض لها في فترة رئاسته، وتفادى مخاطرها، تمكنت منه في الآونة الأخيرة.

الذين يمتهنون السياسة دائماً ينتهون إلى الفشل، كما قال مرة سياسي بريطاني سابق مثير للخلاف، اسمه إينوك باول – Enoch Powell انتهى به طموحه السياسي إلى هاوية سحيقة، حتى صار مضرباً للمثل. والفرنسيون، باستثناء أنصاره في حزب الجمهورية، لن يلوحوا بأياديهم للسيد ساركوزي مودعين وهو يغادر خشبة المسرح ، وبالتأكيد لن يذرفوا دموعاً على إيداعه حبسًا يستحقه. لكنهم سيتذكرون، لفترة من الزمن، قِصر قامته الملحوظ، الذي جعل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ديفيد كاميرون يطلق عليه ساخراً لقب «القزم». ولن ينسوا غطرسته وعجرفته، وكذلك مباهاته بساعاته الرولكس التي يحرص على اقتنائها، مثل حرصه على وضع نظارات روبان على عينيه، وأنه، استناداً إلى المعلق البريطاني جيسون ويلش، كان دوماً شخصاً مثيراً للانقسام، ومبغوضاً من اليسار الفرنسي بشكل خاص بسبب انحيازه لليبرالية الاقتصاد. السؤال: ما تأثير الفضيحة على حزب الجمهورية، الذي ينتمي إليه ساركوزي، والانتخابات الرئاسية يجري الاستعداد لها، من كل الأحزاب، على قدم وساق؟

التهمة التي أُدين بها السيد ساركوزي وعوقب بالسجن شملت معه محاميه وقاضياً كان يتولى النظر في قضية حصوله على أموال لحملته الانتخابية الأولى بشكل غير قانوني. وعبر محاميه، وباستخدام جهاز هاتفي خاص، طلب ساركوزي من القاضي معلومات من ملف القضية المرفوعة ضده. وبالمقابل طلب القاضي حصوله على وظيفة في موناكو. القضية سحبتها النيابة فيما بعد. وساركوزي لم يقدم الرشوة، والقاضي لم يحصل على الوظيفة. وما حدث فعلياً، قبل ذلك، هو أن الشرطة، ولسوء حظ الثلاثة، اعترضت المكالمة الهاتفية وسجلتها، وقدمتها للنيابة. ورغم وجود الدليل المسجل ، عَزا السيد ساركوزي الأمر إلى حملة ضده يقودها اليسار، ممثلاً في رجال القضاء، بهدف تحطيمه، لدوافع سياسية. وخلال جلسات المحاكمة الأخيرة، قال ساركوزي للقاضي: «أنا مطارد، وانطباعي هو أن مكتب نيابة الجرائم المالية أُسس من أجلي».

محامية السيد ساركوزي أكدت في تصريحاتها للإعلام أن محكمة الاستئناف سوف تبطل الحكم. وإلى حين حدوث ذلك، سيظل السيد ساركوزي محاصراً بالقلق ومسكوناً بالأرق. لكنه، من دون شك، صار بإمكانه، وبإمكاننا أيضاً، رؤية نهايته المتوقعة.
حتى وإن كان تصريح السيد ساركوزي صحيحاً، بكونه ضحية لحملة يسارية ضده، لكن لا أحد ينكر حقيقة أنه شخصياً، بتصرفه غير القانوني، قد اختار منح خصومه السيف الذي طعنوه به.