Atwasat

اتفاق جنيف.. هل يصمد؟

جمعة بوكليب الخميس 11 فبراير 2021, 01:28 صباحا
جمعة بوكليب

باستثناء تقرير قصير، أعدته الصحفية هبة صالح من القاهرة، ونشرته جريدة «فايننشال تايمز»، تجاهلت بقية الصحف البريطانية الرئيسية الصادرة يوم السبت الماضي، الحدث الليبي، الذي أُنجز في مدينة جنيف، في يوم الجمعة، أي اليوم السابق، تحت إشراف ورعاية نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السيدة ستفاني ويليامز. التجاهل الصحفي البريطاني يعكس، بلا شك، تدني مستوى الاهتمام الرسمي البريطاني بليبيا، خلال السنوات الفارطة، مقابل تزايد الاهتمام الفرنسي بشكل ملحوظ. انكماش بريطاني يقابله تمدد فرنسي في منطقة نفوذ تاريخياً تعد بريطانية. عوامل كثيرة وراء تناقص الاهتمام البريطاني بليبيا، داخلية وخارجية. والفراغ الذي تركه البريطانيون أتاح الفرصة لثلاث عواصم هي باريس وموسكو وأنقرة للتمدد في منطقة نفوذ تعد جديدة لها، وفي منطقة جغرافية مؤثرة، وفي بلاد بمساحة شاسعة، معروفة بما تحويه من مصادر ثروات.
لندع تناقص الاهتمام البريطاني بليبيا جانباً، ولنهنئ السيدة وييامز على نجاح جهودها في فتح ثغرة في جدار صلب، وحلحلة الأزمة الليبية من المطب الذي أنزلقت إليه، ونأمل أن تتكامل الظروف لكي تتاح للحكومة الجديدة، وللمجلس الرئاسي الفرصة خلال الأشهر القليلة المقبلة كي يتمكنا من تحقيق المراد، والوصول بالقاطرة إلى جهتها المقصودة، بسلام وآمان.
ليس معروفاً عن الحروب عموماً أنها تقود في النهاية إلى تحقيق وئام وسلام. والحروب الأهلية، على وجه الخصوص، غير معروف عنها سوى سوء السمعة، لما تحدثه من تصدعات وتمزقات في الأنسجة الاجتماعية في البلدان التي تندلع بنيرانها فيها. وما تسببه من تداعيات على كافة الأصعدة. والحرب الأهلية الليبية للاستحواذ على الثروة والسلطة، التي عشناها خلال السنوات العشر الماضية متميزة بكونها حرباً بالوكالة بامتياز. وما أحدثته من شروخ ومآسٍ في حياتنا وبلادنا ليس بخافٍ على أحد، ونتمنى على الله أن يؤدي اتفاق جنيف الأخير إلى تخليصنا من شرورها.
ما أنجزته السيدة وليامز، مقارنة بغيرها من المبعوثين الأممين الذين سبقوها، أمر ليس هيناً، تستحق عليه التهنئة والشكر، وعلى ما بذلته من جهود، وما أبدته من تصميم وعزم، مع أعضاء البعثة، وبرعاية وتشجيع من الأمين العام للأمم المتحدة.
الطريق المؤدي إلى سلام دائم في ليبيا، كما أبانت التجربة الصعبة، تعرض للتجاهل خلال السنوات السابقة، حتى كاد ينمحي تحت هول نيران المعارك. لكنه رغماً عن ذلك ظل هناك، في الانتظار. والمسافة المتوجب على كافة أطراف الصراع في ليبيا قطعها للوصول إلى اتفاق يقود إلى فترة انتقالية تنتهي بانتخابات كان ممكناً فعلياً وواقعياً، قبل اتفاق جنيف، لولا العصي الأجنبية التي كانت دوماً في المتناول لتوضع في الدواليب بهدف عرقلة السير نحو بر أمان، وبغرض تحريف المسار بما يتماشى مع ما صممته من خطط تؤدي إلى حماية ما تحقق لها من مكاسب على الأرض، وما قد تحققه مستقبلاً.
وبالطبع، امتناننا بما أُنجز، وسرورنا بما تم الوصول إليه عبر الحوار والاتفاق، لا ينفي ما ولده اتفاق جنيف في دواخلنا من أسئلة مبعثها خوف كامن في نفوسنا من حدوث انتكاسة تؤدي إلى اشعال نيران حرب، أو حروب أخرى، ما لم تتضافر جهود الأسرة الدولية، تحت رعاية الأمم المتحدة، بتوفير ضمانات، قادرة على ردع أي طرف يقوض اتفاق السلام، بغرض العودة بالوضع الليبي إلى سابق عهده. ذلك، كما تعلمنا من التاريخ، أن ما يعد نصراً للبعض، يعده آخرون خسارة لهم. ونحن على علم بأن الاتفاق، في حالة تنفيذه، سوف يؤدي إلى اختفاء قيادات وشخصيات، كانت تملأ خشبة المسرح بحضورها. وتلك القيادات والشخصيات ليست لوحدها، بل تحلقت حولها، عبر السنين، شبكات مصالح عديدة، وقد لا ترضى بتسليم ما تحقق لها من نفوذ ومكاسب خلال الأعوام الماضية، وقد لا ترضى بالتخلي عن تلك المكتسبات، من دون ابداء مقاومة. تبدأ بتحريك ما لديها من ماكينات تخصصت، عبر السنوات الماضية، في انتاج الشائعات، وفي التشكيك في قدرة الاتفاق على الصمود، وتحقيق ما يصبو إليه من سلام نهائي. لكن في حروب الوكالة، ليس بوسع الوكلاء المحليين خوض مغامرة التقويض مالم يتحصلوا على موافقة القوى الأجنبية التي تمولهم بالدعم السياسي والمالي والعسكري. وإلى حد الآن، حرصت تلك العواصم الأجنبية على مقابلة الاتفاق بصمت مريب، أو بترحيب حذر، حتى الآن. والصمت، في هذه الحالة والوضعية، ليس علامة رضا كما يقول المثل، لكنه صمت مختلف، وقفة مراجعة، تراجع فيه حسابات، وتوضع خلاله حسابات جديدة. ولا أظنني أجانب الصواب إن تجرأت بالقول إن تلك القوى مالم تتفق فيما بينها، وتصدر بياناً مشتركاً تؤكد فيه على موافقتها ودعمها للاتفاق، ولسلام نهائي في ليبيا، يظل احتمال العودة إلى المربع الأول قائماً.
في رواية «البصيرة» 1998، يقول الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماجو إن «اللحظات الرائعة، خاصة عندما تلامس الرفعة، عادة ما تعاني من عدو يسمى قصر المدة، على أن العدو الأكبر هو معرفة ما سيحدث بعدها».