Atwasat

ما لا يقال: قناعات الشعبويين..!

عبدالواحد حركات الثلاثاء 02 فبراير 2021, 09:35 صباحا
عبدالواحد حركات

احتكار وتنمية عدد كبير من الأفكار المختلة سيأخذ الجميع إلى مستقبل سيء للغاية..!
أجزم .. الإنسان كومة متماسكة من المغالطات والأخطاء والخطايا لا يمكن تفتيتها دون مدد إلهي خفي، فالعودة إلى مبتدأ الفكر صعب للغاية ومستحيل، فكلنا في الحقيقة شركاء في تكويم المغالطات، وجميعنا في حاجة ملحة وضرورية وحتمية وواجبة للرجوع نظرياً خطوة إلى الوراء، لاستجلاء ومعرفة طبيعة الأفق والسحب التي تهطل منها الأفكار التلقائية في عقولنا، وبحاجة أكثر إلى معرفة منشأ وماهية الأفكار التلقائية ذاتها، التي تحتلنا وتستعمرنا وتسيطر علينا وتحدد هواياتنا ووجودنا وقيمنا وعصبياتنا وعداواتنا، وتقيد انطلاقاتنا وتعيق طموحاتنا وتعرقل التغيير فينا ومن حولنا، وتعيدنا راغبين إلى بدائية مخزنة فينا تحت طلاءات العلم والعقل والتحضر.!

جميعنا يتصرف دائمًا وكأن شيئًا ما تفوق قيمته الحياة. في خضم التغيير أتقنا ممارسة العبث اللا إرادي وتعاطي أفكار تلقائية مكرورة، هي في حقيقتها مجرد أشكال نمطية ومفاهيم لفظية، وصور وكلمات وهواجس، وقوالب فكرية جاهزة، وذكريات معتقة تسكننا وتحكمنا بلين وغواية، وهي مستمدة بالأساس من ركام الحياة النفسي ومتجذرة في ذاكرتنا الجينية، وقد نشأت مبكراً وعلى حين غفلة من معتقداتنا العميقة حول العلاقة بيننا وبين الآخرين، وهي نتاج تقلبات أذهاننا في مستوى دون عتبة الضمير، وتشكل بمجملها عناصر تفكيرنا السطحي الأساسية، التي تنشط وتزداد فاعليتها وتأثيرها في ظل ظروف معينة، وتمثل بتلقائية منطلقاً استثنائياً لتفكير عاطفي مكلل بالسلبية، ومحشو بالنبوءات السيئة للمستقبل وتوقع لا منطقي لأسوأ النتائج لكل الأزمات والمشاكل..!

الأفكار التلقائية هي عناصر التفكير السطحي المبني على أفكار هزيلة وشعبوية غير مقترنة بمنطق ودلائل!.

عند الليبيين – الساسة والنخبة والمثقفين وكلامولوجيي الفيس بوك والتلفزيون وسواهم والشعب عموما، أقصد الجميع بدون استثناء- الأفكار التلقائية سلبية بامتياز مريب، وتسويقها وتعميمها أصبح أكثر نشاطا وفاعلية في وجود المال السياسي والعشائرية والشعبويين، وهي أفكار سامة ومعدية استعمرت العقول وسممتها وانتشرت، فلم تعد ترى للأزمات مخارج، وغمرت السوداوية ومشاعر الكراهية والبغضاء والسلبية الجميع، وغزت نظرية المؤامرة وسوء الطالع وتحليلات بدائية غير منطقية الأفكار، ولم تعد هنالك فوارق فكرية بين الساسة والنخبة والتكنوقراط وبين العوام، فالكل يتعاطون نفس القناعات ويلوكون نفس الأفكار بذات الطريقة ويصلون لذات النتائج اللامنطقية ويتصرفون بذات الأساليب غير الواقعية!.

عبثاً.. نتظاهر بأن الحياة يجب أن يكون لها معنى.. ونتناسى أن وجودنا هو معناها ..!
قناعات الشعبويين أن للوجود معناه في حالات الفصامية الفاضحة، وحالات التلبس بنخبوية مثقوبة ومهترئة وملوثة تبدو مريبة، وهي قناعات متشيطنة تتغذى على هواجس الأنفس وطموحات الأنا وبكائية تغلبية لامنتهية، وتنشد أحلاما لاواقعية، ليس لتحقيق أدناها إمكانيات أو شخوص، وتمثل تلك القناعات لمروجي العشائرية حصان طروادة الأثير، فهي وسيلة لبلوغ غايات الزعامة وجمع الأموال والارتقاء على أكتاف البسطاء الذين يتعاطونها بنهم، فخلطها بالأفكار التلقائية السلبية يؤثر على عواطف الأفراد وسلوكياتهم وأفعالهم وردود أفعالهم، وتبعث فيهم جاهلية استثنائية تتصدرها قيم وأفعال زيرية "نسبة للزير" تجد مبرراتها في واقع يلفه الغموض، وتكون حجر عثرة في طريق الإصلاح والتنمية والسلام الذي ينشده الجميع، ولكنْ كل على هواه وحسب مصالحه..!.

الليبيون أعداء أنفسهم قبل أن يكون لهم أعداء.!
كل مشاكل ليبيا مصطنعة، ولم يصطنعها أحد غير الليبيين أنفسهم، وإن أضيفت لها محسنات أو منشطات خارجية فإن ذلك تم بطلب الليبيين أو بعضهم، فليس أمام العالم أن يتعامل مع مجتمع مصاب بأنيميا التنظيم ويفتقر إلى أسس معايشة حقيقية وراسخة، فليست ليبيا دولة مؤسساتية كما ينبغي، وليست تجمعات عشائرية وقبلية كما يفترض، فالمؤسسة لا تحكم وكذلك القبيلة لا تحكم، والعدل مفقود كما فقدت المعايير وتهاوت وتسلعت!.

الحقيقة.. ليبيا ثقب أسود متوضع على الأرض، لها قدرة عجيبة على امتصاص الجميع وجعلهم جزءاً من أزماتها، بعدما كانوا جزءاً من الحلول، فلم يسلم سوى أيان مارتن من التأثر بوجوده في ليبيا، أما خلفاؤه – طارق متري وبرناردينو ليون وغسان سلامة- فقد أصبحوا أزمات داخل أزمة ليبيا!.

الحقيقة الأكثر مرارة.. أن الليبيين مقتنعون أن قضاء الحياة على ساق واحدة برهان تميز واستثنائية جدير بإهدار كل شيء لأجله!.