Atwasat

شعب المكرونة....

عبد السلام الزغيبي الثلاثاء 26 يناير 2021, 02:37 صباحا
عبد السلام الزغيبي

علم أن أصلها إيطالي، ولكن الوصول إلى أصلها الحقيقي ليس بتلك السهولة، فالاعتقاد الأول هو أن الرحالة الإيطالي ماركو بولو أحضر المعكرونة من الصين إلى إيطاليا، كما ورد في مذكراته.

أما الاعتقاد الثاني فيقول إن المعكرونة كانت تصنع في جزيرة صقلية، وذلك كما ورد في كتابات العالم الإدريسي.

فريق ثالث يعتقد أن أصل المعكرونة يعود إلى العصر الروماني، حين كانت الدولة الرومانية تنتج ملايين الأطنان من القمح سنويا، وعند تجفيف العجين وتصنيعها في أشكال مختلفة كانت تسمى "ماكاروني".

شهرة المعكرونة توسعت مع دخول إيطاليا عصر النهضة، لتصبح مركزا تجاريا مهما في البحر المتوسط ولينتقل هذا الطبق من هناك إلى شتى أنحاء العالم. وفي العصر الحديث فإن إيطاليا لا مثيل لها دون أدنى شك، كأكبرالمنتجين والمستهلكين في العالم فهناك ما يقرب من 25 كيلوغرام لكل شخص في كل عام ، وربما يكون الإيطاليون هم الأشخاص الوحيدون الذين يسعدهم تناول المكرونة أكثر من مرة كل يوم.

تختلف الأحجام والأشكال والألوان ونوع الصلصة، ولكن، من منا لا يشتهي طبقا من المعكرونة اللذيذة حتى وإن لم تكن من أصل إيطالي. و يُعد القمح المادة الأساسية المستخدمة في تصنيع معظم أنواع المعكرونة، إذ يتم صنعها من «سيمولينا» القمح، أو القمح الصلب، أو من سميد القمح القاسي، أو دقيق القمح الكامل.

من بين الشعوب التي تعشق أكلة المكرونة، الشعب الليبي الذي عاش مع الطليان سنوات طويلة بحكم الاحتلال الإيطالي لبلاده من عام 1911 وحتى عام 1943، وتأثر بطرق تناولهم لأطباق المكرونة المختلفة.

في الثلاثينيات من القرن الماضي، وأثناء فترة استعماره أخرجت المصانع في إيطاليا أشكالا جديدة من المعكرونة الإيطالية، أطلقت عليها أسماء مدن تقع في مستعمراتها، في ليبيا، وهي اسماء، تريبولين"
طرابلس" ، بنجاسين" بنغازي" ومدن في أثيوبيا ، أسابيسي وأبيسي.

ولا يختلف بيت ليبي فى عشقه إلى المكرونة بجميع أطعمتها وطرق إعدادها المختلفة، فهى تعتبر واحدة من أبرز الوجبات المفضلة لدى الكثيرين، لا تزاحمها أي وجبة أكل أخرى ماعدا وجبة الأرز في شرق ليبيا، خاصة وأنها وجبة خفيفة على المعدة، وسهلة التحضير على ربات المنزل، وعلى الرجل، إذا غابت ربة البيت في بيت "حوش" أهلها أو تكون نائمة تعبانة من واجبات البيت، وما أكثرهن. وفي الرحلات" الزرادي" تكون هي الراعي الرسمي لكل رحلات الليبيين والكل ممسك بملعقته "كاشيكه" يسأل "طابت المكرونة وإلا مزال".. خاصة إذا كانت مطهوة علي الحطب والعيدان، وايكون الجو فيه شوية نسمة...

والمكرونة هي ﺍﻟﻄﺒﻖ ﺍﻟﻠيبي ﺍﻷﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﻧﺎﺭِِ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ، وهي أكلة ليبية شعبية واسعة الانتشار وتقدم في العشاء أو الغداء ولا تقدم في المناسبات. يعرفها كل العرب والأجانب الذين عاشوا في ليبيا، وحتى الليبيون
المتزوجون من أجنبيات أصبحت زوجاتهن على مقدرة كبيرة بطريقة إعدادها، لكسب ود الأزواج.

الطريقة التقليدية لإعداد المكرونة على الطريقة الليبية، تتم من مكونات غالبا ما تكون متوفرة في البيت، ﺃﻫﻤﻬﺎ الطنجرة والنار ثم إضافة الزيت والبصل وطماطم الحكية، والبهارات والملح وفلفل أخضر وثوم، وإذا
توفر لحم الضان يكون طعمها فايحا، وإذا لم يتوفر ممكن استخدام لحم الدجاج أو القديد، أو على الزيت..." مكرونة شكابليه"..ولا نستطيع أن ننسى طعم ورائحة طهو المكرونة المعدة بلحم الجديان. ولا يغيب عن بالنا
كذلك المكرونة المعدة بالقرنيطة والسيبيا والكلاماري .

يطلق على طريقة إعداد المكرونة هذه اسم مكرونة جارية، في إقليم برقة، واسم "ﻣﻜﺮﻭﻧﺔ ﻣﺒﻜﺒﻜﺔ" في غرب ليبيا. وأعتقد أن وصف "مبكبكة" ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮت ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺼﺪﺭﻩ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻧﺔ ﻭﻫﻲ ﺗﻐﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻴﺨﺔ '' ﺑﻖْ .. ﺑﻖْ .. ﺑﻖْ '' ﻣﻊ ﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺣﺮﻑ ﺍﻟﻘﺎﻑ ﺑﺎﻟﻜﺎﻑ ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﻨﻄﻖ. هناك مئات من أشكال المكرونة، لكن الأكثر شهرة عندنا في ليبيا هي: المكرونة الجارية "المبكبكة" وتعد من مكرونة السباجيتي وهي الأشهر ما بين أنواع الباستا، وهي عبارة عن خيوط طويلة وصلبة..

وهناك شكل من أشكال المكرونة نطلق عليه وصف "البنينه، وهناك مكرونة خرز "القراجيط".. وهي على شكل اسطوانات طويلة رفيعة، لها أحجام عدة، ويمكن تحضير مكرونة القراجيط والاسباجيتي أيضا بصلصة الطماطم، أو بالصلصة البيضاء، وباللحم والدجاج. أوبصلصة التن، أوالمفروم.. مع إضافة الأجبان المبشورة. وهناك االمكرونة المبوخة، وتعد من عجينة "باستا" يتم طبخها على البخار من المعكرونة الشعيرية في طنجرة الكسكس. وهناك "الشعيرية"، وهي تشبه السباجيتي المكسورة، وتبوخ مع إضافة البصل والحمص والزبيب، أو مكرونة مبوخة بالتقلية.

وعرف السوق الليبي أنواعا وأشكالا من المكرونة المستوردة من الخارج وخاصة من ماركات إيطالية شهيرة، ومن مكرونة مصنعة بمصانع إيطالية في ليبيا، مثل مصنع مكرونة ديستيفانو في طرابلس، وكانت
أفضل مكرونة في شمال أفريقيا هي ومكرونة جيراردي الكائن مصنعها في منطقة باب بن غشير. ومصنع مكرونة قرجي.

وفي بنغازي كان هناك مصنع سليمان كانون في شارع المستشفى ومصنع أحمد بادي في شارع الشريف ومصنع مكرونة مفتاح الشويهدي في الصابري، وهي مصانع كان والدي محمد الزغيبي يجلب لها قطع غيار
الماكينات وأكياس "شكاير" المكرونة، ومصنع مكرونة بنينا، التابع لشركة المطاحن الليبية، وعلامته كانت "السنبلة" ثم دخلت ماركة مكرونة تونسية، أحبها المستهلك الليبي وهي مكرونة "سبيقا".

بالنسبة لبيتنا فقد كان مميزا في التعرف مبكرا على أكلة المكرونة لأن والدي كان وكيلا تجاريا ويسافر دوما لإيطاليا ويتفنن في طهوها بطريقته الخاصة، وعن طريقه عرفنا المكرونة بصلصة التن، ووصفات أخرى.

وكانت أمي "نواره" رحمة الله عليها، تطهو لنا المكرونة بكافة أصنافها، جارية، وحارة بالقديد في الشتاء، لمزيد من الدفء، وباللحم والدجاج وبالصلصه ونطلق عليها مكرونة "سوقو"، وهي عبارة عن مكرونة
بالصلصة واللحم الوطنى (لحم الضان).

وعرفت عائلتنا بعشقها للمكرونة بجميع أنواعها خاصة الجارية والسباجيتي بالصلصة، والقراجيط البنينة، وكان أخوتي الكبار مولعين جدا بهذه الأكلة، وحريصين على تناولها، وممكن يتناولونها بشكل يومي..