Atwasat

ما لا يُقال.. الحقائق المؤلمة!

عبدالواحد حركات الأحد 29 نوفمبر 2020, 04:33 صباحا
عبدالواحد حركات

تجاهل الحقائق والوقائع لأنها مؤلمة لا يلغيها أو ينهيها!
حقائق ليبيا القديمة والحديثة مؤلمة، وكلها تقليدية كباقي الأمم والمجتمعات والدول، وأزماتها، وإن كانت مبتسرة، إلا أنها متوقعة. فقد مرت بمثلها الدول كما مرت وتمر وستمر بها ليبيا والليبيون، فأنماط تبدل وتطور المجتمعات تكاد تكون متطابقة ومتناظرة وإن وُجد اختلاف صغير بينها في بعض الأحايين!
ليبيا بوتقة صهر أثنولوجية على مر أزمانها، إذ انصهر مع أمازيغها الأصليين الإغريق والفينيقيون والوندال والرومان والعرب، وبرغم هذا لم تتغير كثيرًا ولم تطرأ بها نهضة أو يحدث بها تغيير كبير، فجغرافيا ليبيا حكمت عليها بالجمود النسبي وافتقارها إلى عوامل الجذب الحضارية جعلها بادية للمراكز الحضرية المجاورة، فالجغرافيتان الطبيعية والفكرية هما ألد وأعنف وأقسى وأشرس أعداء ليبيا وأعرقهم وأكثرهم تأثيرًا، وما زالتا تحاربان الليبيين في عقر دارهم وفي عمق عقولهم وجيناتهم! 

تعالوا جميعًا إلى كلمة سواء.. لا تلويث لها وفيها ولا مراء! 
ليبيا غير معرفة معنويًّا أو قيميًّا لدى أغلب الليبيين، وهي مزاج متقلب ومعطوف مُنتقى بأسلوب مريب على ضآلاتها التي لا تكاد تذكر أمام كونها وطنًا وأرضًا وبوتقة امتزاجًا أثنولوجيًّا عتيقًا، والتاريخ الليبي بمجمله كتلة معرفية غير منسجمة ومكعبة وغير مستوية ومليئة بالثقوب وحرباوية الخصائص، ويشكل في الأغلب الأعم تاريخ استعمار ليبيا وليس تاريخ ليبيا بذاتها -هذا إذا اتفقنا على ذاتها ووجدنا لها تعريفًا لا تعطف فيه على أحد- فأساس أزمات ليبيا بنيوي وفكروي وليس مصطنعًا أو مؤامراتيًّا كما يتوجسون، والعطل أو الخلل البنيوي يكاد يكون الميزة الفارقة لمجتمعات الشرق المقيدة كجمل المعصرة إلى سارية الماضي المفبرك والتاريخ المليء بالأكاذيب والخيالات المصطنعة والأبطال المأسطرين!

كل الحقائق التي تلوكها أدمغتنا قبل ألسنتنا هي حقائق بديلة، ولم يعد ممكنًا الوصول إلى ما عداها، فقد تآكلت الحقائق الأصلية وبات فهمنا لها غير كامل ومعيبًا ومجتزءًا، وأمسى عجزنا عن إدراكها وتداركها عاهة متأصلة وجينية فينا، وأُجبرنا بحكم عاهات الأنا وسلوكيات الغرائز على اقتراف العيش على كومة من اللاحقائق، وتنازلنا طائعين عن ارتباطنا بالمستقبل لصالح عبودية ساذجة لأفكار نمطية مكرورة تتدفق بعنف رهيب من اللايقين المتفجر من صخور الماضي!

صقل الوعي والسمو الإرادي فوق مستوى آفاتنا الفكرية والفكروية ليس بالأمر الهين، فتبنينا لأعراف العزلة والفردانية والشقاق والتناحر والفشل والعبثية المبجلة فينا، التي تدنس الوعي ولا تأبه بالمنطق يحشرنا «التبني» في هوس التقدم إلى الوراء، ويجعلنا معادين لكل تجديد وكل تغيير يلزمنا به وجودنا ومرحلتنا التطورية كمجتمع حانَ موسم تحوله من نمط ما قبل الدولة إلى دولة، وإن كان هذا التحول تم بأسلوب قيصري وقسري نتيجة تعسر التحول بشكل طبيعي سلس، وذلك لوجود عوارض وأيديولوجيات رجعية لم تقبل إفلات تلابيب الماضي وراهنت على حالة الانعزال عن العالم في أوج زمن التحولات والتبدلات!

حقيقة.. لا نستطيع العودة إلى الوراء، ولن نستطيع التقدم إلى الأمام إلا إذا تحكمنا بإرادتنا وجعلناها خيرة، وألفنا وأتقنا يقينًا أن مشكلاتنا هي تجليات وعينا، وحلها لا يعدو كونه استيقاظًا -وإن كان متأخرًا- من هوسنا الماضوي والالتحاق بعالم الواقع، فلسنا الأسوأ ولسنا الأفضل، ولسنا شياطين ولسنا ملائكة، ولسنا صحابة ولسنا مرتدين، إننا كالآخرين فقط، وسنكون أفضل من بعضهم حين نتعرف ونعرف حقيقتنا ونعمل بحدو الآمال!

يفترض، منهجيًّا، أن ما بعد الثورة بأي مكان يعبر عن حالة وعي مختلف لحياة المجتمع وضروراتها، وأن للتغيير فكرًا داعمًا مؤسسًا على مبادئ معلنة يدفن ضغائن سابقة ويخدم أهدافًا جمعية، ويتاح لنخب بديلة وكفاءات موثوقة إدارة فكر التغيير دون إقصاء وعداء، ولنتذكر دائمًا أن ليبيا ليست مياه البحر وتراب التلال وصخور الجبال، وليست الأموات من الرجال وغير الرجال، بل هي المعدمون والمفعمون بالآمال الذين يتنفسون هواءها ويدوسون أديمها الآن!