Atwasat

الأعداء الخمسة

حمدي الحسيني الخميس 05 نوفمبر 2020, 01:20 صباحا
حمدي الحسيني

الأمم والشعوب مثل الأفراد، لكل منهم خصوم ومنافسون وأحياناً أعداء، وتتباين المنافسة وتتنوع درجة الخصومة من حين لآخر، حسب تطورات الأحداث والدوافع، وهذا أمر طبيعي، وفقاً لقواعد الصراع وقوانين الطبيعة، فلو طبقنا هذه المقاربة على واقع العرب الآن، نكتشف أن هناك خمسة أعداء يتربصون بهم ويحيطونهم من كل اتجاه.

وأعداء العرب تتغير مواقعهم، وتتبدل مواقفهم من حقبة إلى أخرى، ففي فترة يكون العدو رقم واحد للعرب هم الفرس، وإذا تراجع خطرهم يحل محلهم الخصم التركي، وبالطبع يظل المحتل الإسرائيلي هو العدو الأول منذ غرس الغرب إسرائيل في قلب الأمة على أرض فلسطين، ثم ظهرت أخيراً، إثيوبيا لتنضم إلى قائمة الأعداء المحتملين للعرب في المستقبل.

وإذا كان الخصوم السابقون ليسوا دائمي العداوة للعرب، وأن خطرهم يتصاعد ويتراجع، وفقاً لمعطيات وتحولات الأحداث، يظل الاستبداد وغياب الحكم الرشيد هو العدو الخامس الأكثر خطورة على الشعوب العربية، نظراً لكونه أشد ضراوة من الأعداء الآخرين، بل ربما يكون سبباً رئيسياً في إضعاف وإنهاك قوة العرب عبر العصور، مما يشجع ويغري الأعداء التقليديين على اختراق خصوصيتهم، بل وحصارهم وخنقهم إذا أتيح لهم ذلك.

فالفرس ظلوا أنداداً وخصوماً للعرب منذ صدر الإسلام، وما تبعه من أحداث كان أبرزها الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى فرق وشيع متنافرة، تبلورت بجلاء في المذهبين الشيعي والسني، وتتواجد إيران اليوم بقوة ممثلة في أنصارها وأتباعها في خمس عواصم عربية من سورية ولبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى البحرين، والحبل على الجرار، هذا الواقع الجديد، دفع بعض العرب إلى التحالف مع إسرائيل بحثاً عن الأمن والحماية من الخطر الإيراني المحدق، مما ترتب عليه خلط شديد في الأوراق بالمنطقة.

ومع صعود نجم «الإردوغانية» في تركيا، وما واكبها من تحالف مع تيارات الإسلام السياسي، وإحياء الأطماع التركية في العرب من جديد، وما تبعها من تمدد وصل إلى حد اقتطاع وضم أراضي دول عربية، كما هو الحال بالنسبة لسورية والعراق، فضلاً عن تواجد قوات تركية مسلحة في كل من قطر وليبيا، تحولت تركيا إلى خصم عنيد للعرب، وأبرز القوى الطامعة في السيطرة على ثرواتهم والهيمنة على شعوبهم.
وأدى تنامي عداء الإمبراطوريتين السابقتين (الفرس والعثمانيين) ببعض الدول العربية إلى تراجع الخطر المباشر لعدو العرب التقليدي المتمثل في المحتل الإسرائيلي القابع على أرض فلسطين، موطن ثاني القبلتين وثاني الحرمين عند جميع المسلمين.

مؤخراً تحولت إثيوبيا إلى عدو جديد للعرب لم يخطر على بالهم من قبل، حيث سعى الغرب منذ عقود طويلة لتجهيزها كرأس حربة للعرب في القارة السمراء، لتشكل خصماً صامتاً لهم من الجنوب، وإن كان الخطر الإثيوبي لم يطفُ على السطح، إلا عندما شرعت في إنشاء سد النهضة العام 2011 الذي تزعم باستمرار أن الهدف منه الحصول على الطاقة في زمن يتوجه العالم كله إلى الشمس والرياح للحصول على الطاقة النظيفة والرخيصة، ثم سرعان ما كشفت الأيام أهداف أديس أبابا الحقيقية من السد، وهي التحكم في مصدر المياه والحياة لأكبر دولتين عربيتين من حيث الكثافة السكانية هما مصر والسودان.

أزعم أن قدرة العرب على مواجهة هؤلاء الخصوم، تشكل تحدياً كبيراً على المستوى الاستراتيجي، خاصة أنه في الوقت الذي يتحالفون فيه مع بعضهم البعض، لا يوجد على الجانب الآخر تحالف مماثل بين الأطراف العربية، إذ إن تركيا وإيران ترتبطان بمعاهدات اقتصادية وتعاون تجاري يتعمق يوماً بعد يوم، ولا ننسى التحالف القديم وقنوات الاتصال السرية التي تربط بين تل أبيب وطهران، كما يوجد تعاون عسكري معلن أيضاً بين أديس أبابا وتل أبيب، وأن شبكات الدفاع الجوي التى تحمي سد النهضة صناعة وخبرة إسرائيلية!

بحسابات الأمن والمخاطر، فإن بعض العرب يقللون من خطر إسرائيل وإثيوبيا، نظراً لأن الأول لا يمتلك سوى التكنولوجيا والاقتصاد كوسيلة للاختراق وأن الثاني لا يمتلك مقومات التهديد المباشر، باستثناء التحكم في مياه النيل، بينما الخطر الأكبر يأتي من إيران وتركيا، فالأول لديه طابور خامس من المواطنين الشيعة منغمسون داخل بعض المجتمعات العربية خاصة الخليجية، يمكن في أي لحظة استثمارهم في تنفيذ مخططاتها وأطماعها في تلك الدول، كما أن الأتراك لديهم جيش من الأتباع لا يستهان به، يمثله الإسلام السياسي، في مقدمتهم «الإخوان المسلمون» ولم تتأخر أنقرة في تقديم كافة أشكال الدعم والمؤازرة لهم تحت عناوين ظاهرها ديني وباطنها سياسي بامتياز.

إذا كان الفرس والأتراك والإسرائيليون وحتى الإثيوبيون، كل هؤلاء يشكلون خصوماً تقليديين للعرب، يمكن مواجهتم إما بالسلاح أو غيره من وسائل القوة والحماية، يبقى خطر الاستبداد وغياب التداول السلمي للسلطة، أكثر الأعداء خطورة ولن تقوم للأمة العربية قائمة طالما بقيت رهينة لأنظمة حكم مستبدة تحتكر الثروة والسلطة، مهما تغيرت أشكال وصور ومسميات تلك الأنظمة.