Atwasat

لعنة أبناء العم!

حمدي الحسيني الإثنين 21 سبتمبر 2020, 02:00 مساء
حمدي الحسيني

منذ اللحظة الأولى لإعلان بن جوريون قيام إسرائيل «14 مايو العام 1948»، واعتراف كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، بالكيان الجديد بعد خمس دقائق من ذلك الإعلان، انزلق العالم العربي في شباك الصهيونية، ولم يخرج منها حتى الآن، وربما يبقى في دواماتها لعقود طويلة قادمة، خصوصا أن قادته في تلك الفترة، لم يدركوا رؤية الولايات المتحدة والعالم الحديث بضرورة أن يكون لليهود دولة في هذه المنطقة الرخوة من العالم، كما لم يستوعب العرب حتى الآن هذه الحقيقة، ومن هنا ظلت لعنة إسرائيل أو أولاد العم تلاحق قادة المنطقة، وكانت سببًا في سقوط العديد من العروش والأنظمة منذ ظهورها، فهل تستمر هذه اللعنة في حصد المزيد من الضحايا حكامًا وشعوبًا؟

بادئ ذي بدء، كان تعامل العرب مع وجود إسرائيل في المنطقة، تارة بالإنكار وتارة أخرى بالاستخفاف، وكانت مصر رأس الحربة في تلك المواجهة بحكم كونها القطر الأكبر ذا الثقل الحضاري والعسكري في الشرق الأوسط.

ومن سوء حظ العرب أن النظام السياسي المتمثل في الملك فاروق «1920 - 1965» كان يعيش أضعف أيام حكمه، وكانت علاقته بالمحتل البريطاني متوترة، ولم ينجح في كسب ود الولايات المتحدة كقوة صاعدة جديدة في تلك الفترة، فضلًا عن التأثير السلبي لحياة فاروق الشخصية والعائلية على نظام حكمه المترنح، فكان قرار الدخول في حرب 1948 متعجلا ودون دراسة ولا استعداد كافٍ لمواجهة العصابات اليهودية المدعومة دوليًّا، كما اعتمد ملك مصر على حلفاء لا يقلون ضعفًا عنه، فكانت النتيجة هزيمة نكراء وفضيحة كبرى لمصر والعرب، دفع فاروق عرشه ثمنًا لها، وكان أول ضحايا لعنة ظهور إسرائيل في المنطقة.

لم يختلف نظام حكم ثورة 23 يوليو في التعامل مع إسرائيل عن نظام فاروق، وبالرغم من أن السفير الأميركي في مصر جيفرسون كافيري «1886 - 1974» لعب دورًا حيويًّا في تمكين الضباط الأحرار من حكم مصر، واحتفظ معهم بعلاقات سرية، على أمل أن يستوعبوا إستراتيجية بلاده لدعم بقاء إسرائيل في المنطقة للأبد، والعمل على خلق واقع سياسي جديد في الشرق الأوسط تكون إسرائيل جزءًا منه.

لكن هذه الرؤية الأميركية حتمًا كانت تتعارض مع التوجهات القومية لجمال عبد الناصر «1918-1970»، الذي لم يعط قضايا الداخل الاهتمام اللازم لبناء دولة قوية تستطيع مواجهة الدولة العبرية الناشئة، فأدى الفساد والصراع على السلطة مع رفاقه إلى كارثة 1967، فتركت آثارها على حياته التي تدهورت بسرعة، حتى توفي فجأة بطريقة غامضة وهو في ريعان الشباب، وكان ثاني ضحايا لعنة أبناء العم.

هنا جاء الدور على قادة الجزيرة العربية، عندما فوجئ العالم باغتيال الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز «1906- 1975» على أيدي أحد شباب الأسرة الحاكمة، الذي كان عائدًا لتوه من الدراسة بالولايات المتحدة، كان فيصل صاحب توجهات عروبية وكان له دور بارز في النصر الوحيد للعرب على إسرائيل «أكتوبر 1973»، عندما تحمس لوقف ضخ النفط السعودي للدول الصناعية الكبرى، مما كان له أبلغ الأثر في كسب التأييد الدولي للموقف العربي في الصراع مع إسرائيل، ومن ثم كان أول قادة الجزيرة العربية الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لمواقفه المعادية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

ولم يغفر أبناء العم وأربابهم في الغرب للرئيس العراقي صدام حسين «1937- 2006» أنه الوحيد الذي جرؤ على إطلاق «39» صاروخًا من عاصمة عربية على تل أبيب مباشرة أثناء حرب الخليج الثانية «1991»، فكانت نهايته كما تابعناها جميعًا، وربما كان الوحيد بين الحكام العرب الذي جرى إعدامه بطريقة «مأساوية» صبيحة عيد الأضحى قبل نحو 15 عامًا.

المدهش أن تلك اللعنة التي ألمت بالقادة الذين قرروا القضاء على إسرائيل، سواء كان فاروق، أو فيصل أو ناصر، لم ينجُ منها أيضا من مدوا أيديهم لها بالسلام، ولم يشفع لهم الاعتراف بها والدعوة لدمجها في المنطقة.
فقد صدم الرئيس السادات «1918- 1981» العالم بقراره «المتهور»، بزيارة القدس المحتلة 1977، متحديًا الرفض الشعبي داخل مصر وخارجها لمثل هذا القرار، كما صدم السادات أيضًا رفاقه من القادة العرب، بمثل هذه الخطوة «المنفردة»، فدفع حياته ثمنًا لها، وقتل في حادث المنصة الغامض!

وعندما استجاب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات «1929- 2004» لضغوط الواقع السياسي الجديد في المنطقة، وقرر التخلي عن البندقية ورفع في وجه الدولة العبرية غصن الزيتون، ووافق على إنشاء «دويلة» على ربع الأرض الفلسطينية المحتلة، ودخل في مفاوضات «عبثية»، بدأت بمدريد، ثم أوسلو ثم غزة أريحا، وأخيرا وافق على مبادرة السلام العربية «2002»، التي تقوم على أساس حل الدولتين، لكن كان من سوء طالعه أن يلقى حتفه على أيدي عملاء فلسطينيين، وأبى الاحتلال الإسرائيلي أن يبقى على قيد الحياة قائد ورمز للقضية الفلسطينية بوزن أبو عمار، فصدر قرار التخلص منه، بعد حصار «مذل» داخل مقر السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله، على مرأى ومسمع من العالم.

إذا.. خلال السبعين عامًا الفاصلة بين لحظة إعلان قيام إسرائيل «المشؤوم»، وتوقيع اتفاقات السلام مع بعض إمارات الخليج في البيت الأبيض 15 سبتمبر 2020، جرت مياه كثيرة في بحيرة الشرق الأوسط المضطربة، كان حصادها شديد المرارة جناه شعوب وزعماء المنطقة، سواء من قرروا محوها من الوجود، أو من وافقوا على الدخول معها في تسويات «سلمية»، فهل قادة العرب اليوم أكثر ذكاءً من قادة الأمس؟ أم نحن على أعتاب فصل جديد أكثر إثارة في الصراع مع أولاد العم؟