Atwasat

الكل يدعي الحقيقة... والحقيقة تحتضر بينهم

آمنة القلفاط الإثنين 07 سبتمبر 2020, 11:34 مساء
آمنة القلفاط

لإسحاق نيوتن مقولة حكيمة تقول"إن افلاطون صديقي، وأرسطو صديقي كذلك، لكن صديقي الأول هو الحقيقة" وهذه الحكمة تتوافق مع المقولة التي تقول: لا يعرف الحق بالرجال... اعرف الحق تعرف رجاله. المقولتان تشتركان في مدلول واحد وهو أن لا أحد يمثل الوجه المطلق للحقيقة الجامعة، وأن منظور الحقيقة من الممكن أن يتغير وفق الوجه الذي يتراءى للرائي أنه الوجه الحق، وبما يتناسب مع مخزون الفرد من المعرفة والثقافة وخبرة الحياة.

لكل دولة رجالها، وعليهم الحمل الأكبر في المحافظة على مكتسبات دولتهم، وسيادتها وحسن استغلال مواردها، وإدارة شئونها بما يتلاءم مع ما اتُفق عليه من قوانين وما أقرته دساتير الدول. لكن المشكلة دائما في البدايات، كيف نبدأ وقد كانت ليبيا… جماهيرية معقدة التركيب، أُريد لنا أن نفهم أن شعبها يمتلك الثروة والسلطة والسلاح! لكنها غوغائية غريبة قد تخدم المتماشين معها والمستفيدين من استمرار وجودها، لكنها بناء هرمي من الفوضى المركبة.

نفشل في التوافق حول القواعد الأولى لبناء الدولة، نفشل في الاتفاق حول شكل الدولة التي نريد، حول دستور للبلاد يحفظ الحقوق وتتضح من خلاله الواجبات، لم نفلح في التوافق حول الحقيقة الجامعة المجردة والتي لا تتبع أحدا، بقدر ما تمثل في مجملها الجميع. انقسم الناس حول ساسة متفرقين لأن كلا منهم يدعي الحقيقة وينكرها على غيره، وعليه فقد اكتسب كل منهم أتباعه وفق عقلية وفهم واستيعاب هؤلاء الأتباع.
المواطن البسيط لا يعرف حقيقة ما يدور ولا لفائدة من هذا الصراع على السلطة الذي بدأ وليس بمقدور أحد إيقافه... ولا يبدو أن الساسة أيضا لا يعرفون حقيقة وأسباب ما يجري، ونتساءل كيف طاوعتهم أنفسهم وانجرفوا في هذا التيار وسمحوا لهذه الفوضى أن تنتشر وأذكوا وقودها يوما بعد يوم؟.
ليس من السهل معرفة دروب الحق، خاصة فيما يتعلق بعالم السياسة والمصالح المتشعبة، فكيف السبيل إذا أردنا أن نبدأ بناء دولتنا التي تأخرت كثيراً، والكل يدعي المعرفة والحق وأنه الشريك الأكبر في السلطة والثروة؟
تبني وجهات النظر المختلفة حق لكل فرد والمشاركة السياسية حق مشروع لا ينكره أحد على آخر، لكننا نفتقد التوافق حول بسطة المبادئ الأساسية المتفق عليها، لنبدأ بعدها الصراع السلمي كل حسب خططه واجتهاده ووفق مظلة وحماية الدستور المتفق عليه.
تتمثل نقاط الاختلاف حول شكل الدولة التي نريد، كيفية توزيع موارد الدولة بشكل عادل، الحكم المحلي، وضع الدين في الدستور، وتدخل المؤسسات الدينية والعسكرية في شئون إدارة الدولة، فإذا تم التوافق العام حول هذه البنود، فسيسهل التوافق حول البداية الصحيحة وتوضع القاطرة على القضبان.
الخيارات المتاحة أمامنا: هي الاستفتاء على الدستور الذي انتهت لجنة الستين من صياغته، الخيار الثاني هو العودة للإعلان الدستوري بتعديلات لجنة فبراير والاستمرار به في تعديل خارطة الطريق التي انحرفت، الاختيار الثالث هو العودة لدستور الاستقلال وما يستلزم معه من عودة ولي العهد الأمير محمد السنوسي.

العقبات التي تواجه هذه الحلول هي اتفاق الصخيرات الذي بدأ ولا نعرف متى ينتهي، وما هي خارطة الطريق التي ستسير وفقها البلاد؟ في ظل التنافس والحرب الأهلية والمستقبل المجهول وتدخل قوى عظمى وصغرى في شأننا المحلي بطريقة غير مسبوقة في تاريخنا الذي يعج بتدخلات الجيران شرقاً وغرباً وشمالاً.

يبدو أن مجلس النواب هو الكيان الوحيد القادر على تبني أحد هذه الحلول، هذا إذا قرر جمع شتاته في جلسة تحظى بالحماية والحرية في مكان آمن بعيداً عن التجاذبات وسيطرة السلاح، واتفق أعضاؤه على مواصلة العمل وفق المهمة التي انتخبوا من أجلها، وهي التوافق حول الانتهاء من المرحلة الانتقالية والوصول إلى شاطيء الأمان بقيام الدولة المعترفة بكل أبنائها، وأن نرنو بأبصارنا إلى الغد الذي طال انتظاره بعد سنوات التيه...