Atwasat

المغنون الشعبيون في بنغازي: 1- السيد بومدين (شادي الجبل)

عبد السلام الزغيبي الإثنين 07 سبتمبر 2020, 11:31 مساء
عبد السلام الزغيبي

الأغنية الشعبية كما يراها دارسو علم المأثورات الشعبية هي أغنية شاعت وانتشرت في الماضي البعيد في منطقة معينة وتبنتها الجماهير وأصبحت ملكا لها بعد أن ألّفها ولحّنها أفراد مجهولون وانتقلت شفاهة بدون تدوين عبر الأجيال المتعاقبة، وقد تتعرض هذه الأغنية أثناء مسيرتها الزمنية أو أثناء انتقالها وهجرتها من مكان نشأتها إلى أماكن أخرى لبعض التغيرات والتعديلات في نصوصها وألحانها وأوزانها لتتناسب مع تغير المفاهيم الحياتية والاجتماعية والثقافية لكل عصر من العصور أو لكل مكان من الأماكن، كما تتعرض الأغنية الشعبية أيضا لبعض المؤثرات الخارجية نتيجة لاحتكاكها بتراث الشعوب المجاورة أو الوافدة.

ويقول الباحث السنوسي محمد البيجو إن الكثير مما غنى علي الشعالية والسيد بومدين (شادي الجبل) وغيرهما كانت من ألحانهم الخاصة، وإن كان الشائع أنها مرسكاوي.

ويرجع أصل كلمة "المرسكاوي" إلى "مرزقاوي" نسبة لمدينة مرزق جنوب ليبيا، وهي إحدى أقدم المدن الليبية، ويمتزج المرسكاوي باعتباره نمطا من الموسيقى الشعبية في ليبيا، بثلاثة روافد هي التقاليد الأفريقية والثقافة الأمازيغية المحلية، وثقافة العرب سكان مناطق الساحل، وبالقرب من الصحراء في ليبيا. حيث يتميز بأنغامه وإيقاعه وشعره الغنائي الخاص تقريبا.

وتؤدى أغاني المرسكاوي على مقام واحد، تندرج تحته عدة أنواع أخرى، في حين يرى البعض أن وصلة المرسكاوي ثلاثية وهي الموال، ثم الأغنية، ونهاية بالتبرويلة، حيث تتحول الوصلة لإيقاعات سريعة وراقصة.


وارتبط فن المرسكاوي واشتهر لاحقا بمدينة بنغازي ثاني أكبر مدن البلاد وعاصمة الشرق الليبي، حيث أفادت هذه المدينة المفتوحة، في استيعاب هذه الموسيقى، حتى ارتبطت بالمناسبات العامة والخاصة، وأسهمت في تشكيل ذائقة اجتماعية خاصة للفن الشعبي الليبي، وبرغم الخروج عن النمط والمقام التقليدي للمرسكاوي، إلا أن الاسم ظل مرتبطا بكل الأغاني الشعبية ومطربيها من أمثال، الحاج ابريك لنقي وموسي شحات، وعبدالسلام زوبي، واصدوقه، احميده درنه، علي الجهاني الشهير بـ اعليويك، احميده اخليف، على التركي، عبد الجليل عبد القادر، فتحي الصور، عبد الهادي سكابه، حميد الكيلاني، جمال عاشور، المرحوم إدريس الدرسي،الفنان سعد البرعصي، مفتاح الفهري، بشير المسلاتي، الفنان الشعبي سعد الوسْ،الفنان الشعبي المرحوم فرج الصبيحي المغربي(فرج الكيلو)، عيشة بنت بشير، الفونشة، ماريانا،

من الفنانيين الشعبيين القدامي، ومن رواد الأغنية الشعبية في بنغازي، المطرب الشعبي، عرفه كل صبيان وشباب جيلنا من خلال الاستماع إلى أغانية التي كان الراديو الليبي، يبثها، ويستمع إليها كل أفراد الأسرة دون استثناء، لأن أغاني كلماته كانت شعبية بسيطة، تعبر تعبيرا صادقا عن مشاعرهم وأحاسيهم ووجدانهم، وألحانها مع صوته، تجذب الجميع. وأصبح حاضرا في يومياتنا.

كلمات أغاني عاشت معنا، حفظناها عن ظهر قلب ورددناها في أفراحنا وأمسياتنا، لأنها تدخل القلب مباشرة، تنعش الأفئدة، لأنها صادقة، مثل "يا ريتنى ما ريت سود انظاره، من يوم ريته عقلى راح، آه يا وعدى شاطت ناره.

ياروح امشي قوليله فايت جيله مشتاق الخاطر لزويله، رميت النظر مالقيت فيكن والى... اليوم يامكانات العزيز خوالى، لوكان ريح العون يهدي الله، وبرول"يا ريح سلامي شيليه، ماتبطيه، جميل منك فيا ديريه"، عيونك كبار وسود من مولاهن. نريد نرسلك يا روح للي غالي.. تشيلي سلامي واشرحي له حالي. "غوالي عليا عزاز كيف عيوني، ما نهونهم و من البال ما ينسوني"،"البارح منامي جاب حلو الباسه.. وجايب على اثر الموح طولة ياسة". "طال الليل وعيوني سهارة .. من مشكاي توقد في ناره". "والبرول" سمارة ما با يجيهن نوم"..انظاري يا عداد اللوم". "هلت الدمع واجد مو شوية"."

................. والبرول"انظاري تووبن ع الغيات انسن مدعا سمح الصيفات"." حبك برد ما عاد توقد ناره"، " ماعادشي في بالي ولاعاد عندي كيف قبل وتالى".
"انت جافيه ولا غلا ما تبي ..تراه قولي و النبي حسيبك ربي". "«يعشم فيك» و«طولتي الغيبة» و «تمنيت سبع وجوه» و«ريح العون» "صبري كمل"

ولد محمد السيد – وهو اسمه المركب – بن الفقيه محمد الشويرف بومدين الذي كان إماماً لأحد مساجد البركة، وبها تلقى بعض تعليمه باللغتين العربية والإيطالية. في شارع العيساوي بمنطقة البركة، بنغازي سنة 1916

السيد بومدين ( شادي الجبل)، الذي بدأ حياته الفنية سنة 1939- 1940، بانضمامه إلى إحدى الفرق المسرحية التي تكونت على شاطئ بحر الشابي والتي جمعته مع عديد الفنانين من شباب المدينة وفي مقدمتهم علي الشعاليه، ورجب البكوش، وعبد السيد الصابري، ومصطفى المستيري، وعلي اقدورة .. وغيرهم، وكان أحد المغنيين في الفرقة، وقد تأثر في هذا السياق بأجواء التراث الشعبي، والأغنية الشعبية، وألحانها الأصيلة، وكلماتها النابعة من البيئة المعاشة.

التحق بالإذاعة المحلية في بنغازي في سنوات تأسيسها الأولى بالريمي مطلع الخمسينيات من القرن العشرين وأدى بعض أغانيه التي كانت تذاع على الهواء وفقاً لساعات الإرسال اليومي مع فرقة ضمت أصدقاءه من هواة الفن، في مقدمتهم سالم الوداوي، وفرج الوحيشي، ومحمد الطالب، ومصطفى المستيري، وغيرهم من الأوائل الذين أعطوا في هذا المجال في بدايات تأسيس الإذاعة المذكورة

يقول صديق على الفيس"عدنان عبد القادر" من مدينة المرج": إن شادي الجبل بدأ غناءه على المستوى الشعبي وبدأت شهرته مع انتصار قوات الحلفاء. حدثني جدي مرة أنه عندما تم دحر القوات الإيطالية بفضل القوات الإنجليزية وجيش برقة، زار مدينة المرج والتي كانت عاصمة القوات الإنجليزية آنذاك وغنى في حفلة شعبية ضخمة كان لها أثر رائع في نفوس الناس في المرج وهم يودعون حقبة سيئة جدا في تاريخهم.

واصل بومدين عطاءه ومسيرته مع تكوين وإنشاء الإذاعة الليبية في يوليو 1957، وسجلت له بعض المحطات الإذاعية الخارجية مجموعة من أغانيه مثل إذاعة لندن، وصوت أمريكا، وعمل رئيساً لقسم الموسيقى ولجنة النصوص بالإذاعة فترة من الوقت، ويعود إليه الفضل مع زميله الفنان الشعاليه وغيرهما من ملحنين وفنانين: مثل صبري الشريف، وسالم بشون، وسليمان بن زبلح، ومحمد مختار، وسالم زايد، وسالم الرشداوي، وعلي اقدورة، وغيرهم في تأسيس القسم ووضع خطواته الأولى على الطريق.

أصدر الفنان شادي الجبل (السيد بومدين) مثل غيره من مطربي ذاك الزمان، أيام طغيان الاسطوانات، مجموعة كبيرة من الإصدارات، واختار اسم " الانشراح" لشركته المتخصصة في ترويج اسطواناته، وكان يطبع أعماله في مصر واليونان.

نشر السيد بومدين نتاجه الشعري بعنوان «فيض العواطف» في موضوعات مختلفة وطنية وعاطفية في مجلة الضياء الصادرة في بنغازي سنة 1957، باسم (ابن الشعب)، فيما كان يؤدي أغانيه باسمه الصريح إلى أن أصبح (شادي الجبل) أسمه الفني الذي شهُر به وقد أطلقته عليه السيدة خديجة الجهمي.

انتقل للعمل بمدينة طرابلس اعتباراً من سنة 1964 مترجماً للغة الإيطالية ومتابعاً للصحف والكتب الصادرة بها، بمصلحة المطبوعات والنشر، وتقاعد من الوظيفة سنة 1984، وكان له عديد الاهتمامات بفترة تاريخ الجهاد ضد الاحتلال الإيطالي وترجمته لكثير من الوثائق في هذا الشأن.

كتب ولحن عديد الأغنيات الشعبية لكثير من زملائه الفنانين الليبيين مثل محمد مختار، ومحمد منصور البيجو، ومحمد صدقي، وإبراهيم فهمي، ومحمد الفيتوري، وراسم فخري.

بعد عودته للغناء عام 76، كان للفنان السيد بومدين تعاون فني مع الموسيقار عطية شرارة الذي قام بتوزيع (ألبومه الأخير)، ليقدم للمستمع العربي تنويعات جديدة من الألحان، امتازت بإيقاعاتها السريعة، وبتعدد صورها الفنية، وإن كانت تحتفظ في قاعها بالأصالة والتعبيرية

مساء يوم الخميس 22/12، في سنة 1994 رحل عنا الفنان السيد بومدين.. شادي الجبل، الذي تميز إلى جانب الفن، بهندامه، وحرصه دوما على الظهور بالمظهر اللائق، بعد أن ترك لنا رصيدا كبيرا من الإبداع في الفن الشعبي الليبي.

مراجع:
-- كتاب (مدخل إلى المقام الليبي دراسه في الأغنية الشعبية) للباحث السنوسي البيجو
-- موضوع عن السيد بومدين للكاتب سالم الكبتي، نشر في موقع جيل..
-- بصمات عربية في مسيرة الفن والإعلام الليبى (1/2)، عبد السلام الزغيبي