Atwasat

جنة المرتزقة (1 - 2 )

أحمد معيوف الإثنين 01 يونيو 2020, 01:32 مساء
أحمد معيوف

لا يجادل عاقلان في خطورة الميليشيات على الوضع الأمني في البلاد، ولا في دورها في إعاقة أداء أجهزتها المختلفة. لكن أيضا لا يجادل عاقلان في أن هذه الميليشيات تستمد قوتها من ضعف الدولة وضعف مؤسساتها، وفي الانقسام السياسي الذي رزئت به. لذلك فقناعتي تتزعزع في إمكانية حل الميليشيات في ظل هذا الانقسام، وترسخت في ذهني أن الحالة الليبية هي حالة صراع سياسي اتخد من وجود الميليشيات مبررا له، بدلا من أن يعمل على توحيد جهوده لتفكيكها. وتزداد هذه القناعة رسوخا حينما أقارن بين أخطار الميليشيات المحلية وبين المرتزقة الذين جلبتهم الحرب على طرابلس.إذ أصبح هؤلاء المرتزقة المجلوبين بسبب الحرب على طرابلس أخطر على ليبيا من الميليشات المسلحة التي جاءت الحرب لتفكيكها.

كتب السيد ديكلان والش (Declan Walsh) رئيس مكتب النيويورك تايمز بالقاهرة، مقالا عن المرتزقة في ليبيا وشبكة النفعيين على صفحات جريدة النيويورك تايمز في 25/ 5/ 2020، قراءة هذا المقال تثير الخوف وتنشر الرعب في كل من يحرص على هذه الأرض ويأمل في سلامتها. يتحدث السيد ديكلان في بداية مقاله عن "عالم أولئك الذين انتعشوا من فوضى ليبيا"، حيث أشار إلى إحدى فرق المرتزقة المناط بها مهمة قصيرة لصالح حفتر كشف عنها محققو الأمم المتحدة ونشرتها جريدة التايمز النيويوركية هذا الأسبوع، هذا الفريق وصل إلى بنغازي جوا وبحرا، ويتكون من اثنين من مشاة البحرية البريطانية السابقين وصلا عن طريق البحر، قادمين من مالطا بزوارق مطاطية عسكرية إلى الشواطيء الليبية الشرقية، كما وصل عدد آخر جوا وهم يحملون أوراقا مزورة، ونقلوا على متن ست طائرات هليكوبتر انطلقت من بوتسوانا وحطت في بنغازي. ووصل بقية الفريق - الذين أطلق عليهم المقال اسم جنود الثروة – من دول مختلفة شملت جنوب أفريقيا وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة – وقد انطلقوا من منطقة في الأرد ن وحطت بهم الطائرات في بنغازي. أكد محققو الأمم المتحدة في وقت لاحق، أن مهمة هذا الفريق المختلط هو القتال إلى جانب القائد الليبي خليفة حفتر في هجومه الشامل على العاصمة طرابلس، وقد كان ثمن تعاونهم 80 مليون دولار. إلا أن الأمور بين المرتزقة والسيد حفتر سارت بشكل سريع وخاطيء، واندلع نزاع بينهم حول صلاحية الطائرة التي ستقلهم إلى الجنوب. وفي 2 يوليو بعد أربعة أيام فقط من تواجدهم في ليبيا، غادر المرتزقة نتيجة هذا الخلاف على ظهور قواربهم السريعة وتوجهوا إلى مالطا.

على الرغم، من قصر عمر هذه المهمة الفاشلة، كما يقول المقال، فالشجار الذي حدث بين حفتر وهؤلاء المرتزقة يقدم توضيحًا صريحا جدا لما أنتجته هذه الحرب التي يقودها رعاة أجانب أقوياء - بشكل أساسي الإمارات العربية المتحدة وتركيا وروسيا ومصر – من خلق ملعب مربح للمهربين وتجار الأسلحة والمرتزقة وغيرهم من المستفيدين الذين ينتهكون الحظر الدولي على الأسلحة مع القليل من الخوف من العواقب.

ويرى المقال أن ليبيا أصبحت "مغناطيسا فريدا لمزيجها من الثروة النفطية ومعايير القتال المتقطعة". ويصف الحرب الدائرة فيها بأنها حرب مرتزقة على مرتزقة، تشمل قائمة المرتزقة خليطا من الروس والسوريين والسودانيين والتشاديين والغربيين، وفي بعض الأحيان تكون الحرب بين رجال من نفس البلد كما في الحالة السورية، فالمرتزقة السوريون موجودون على جانبي الصراع لقتال بعضهم البعض. قال السيد ولفرام لاشر (Wolfram Lacher) الخبير الألماني في الشؤون الليبية من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن ليبيا مجانية للجميع، وأن الجميع يجلبون كل الأنواع السخيفة من الأسلحة وكذلك المقاتلين إلى ليبيا، مع وجود سوريين من كلا الجانبين، ولا أحد يمنعهم".

وتحت عنوان "البنادق الأجنبية والمال والمقاتلون"، قال الكاتب إن هذه الدولة الغنية بالنفط وذات الكثافة السكانية المنخفضة، قد عانت من الفوضى منذ الإطاحة بالمستبد القذافي في عام 2011. وقد أسست محادثات السلام دولة هشة مدعومة من الأمم المتحدة وحكومة في طرابلس يعمل السيد حفتر على استهدافها والإطاحة بها. ومنذ هجومه الأول في عام 2014 ، تم دعم السيد حفتر بمجموعة من القوات الأجنبية.

في العام الماضي، قام جيش فاغنر القوي المدعوم من الكرملين، بشن هجوم توربيني على طرابلس. لكن تركيا انضمت إلى القتال نيابة عن طرابلس في يناير وألقت بحملة السيد حفتر في حالة من الفوضى. وأفادت وكالة رويترز أن كتيبة كبيرة من المقاتلين الروس انسحبت من الخطوط الأمامية بكامل أسلحتها من جنوب العاصمة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتم نقل هذه القوات في ثلاث طائرات إلى معقل حفتر، ومن المرجح أن يحدد الرعاة الأجانب الأقوياء للسيد حفتر خطوته التالية.

ووفقًا لتقرير سري قدم إلى مجلس الأمن في فبرايرالماضي، قامت شبكة من الشركات السرية تتخد من الإمارات العربية المتحدة مقرا لها بعملية تنظيم وتمويل حملة المرتزقة الفاشلة في الصيف الماضي، ويملك هذه الشركة جزئيًا رجل الأعمال الأسترالي كريستيان دورانت (Christiaan Durrant)، وهو طيار مقاتل سابق، وشريك مقرب لأشهر مقاولي المرتزقة في العالم، الأمريكي إريك برينس (Erik Prince). وللسيد برنس علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس ترامب، وقد تعرضت هذه العلاقات وخضعت إلى التدقيق من قبل الكونغرس الأمريكي خلال السنوات الأخيرة. زود السيد برنس ولي عهد الإمارات الأمير محمد بن زايد، الراعي الرئيسي لحرب السيد حفتر في ليبيا، بقوات خاصة لتقوم بمهام قتالية داخل وخارج الإمارات، وأيضا لحماية النظام الحاكم الذي يشك في كفاءة قواته المحلية.

يدرس محققو الأمم المتحدة ما إذا كان السيد برينس قد لعب أي دور في عملية المرتزقة الفاشلة ذلك الصيف. وقال برنس من خلال المتحدث الرسمي إنه "لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بأي عملية عسكرية خاصة مزعومة في ليبيا".

وقد وصف السيد شون مكفت (Sean McFate)، وهو مقاول عسكري سابق وكبير زملاء المجلس الأطلسي الحالة الليبية على أنها "حالة للطابع المتغير للحرب". فالحرب كما يقول "نشاط سياسي" ، لكنها في ليبيا أصبحت تجارة. فالمحاربون من أجل الربح يأتون من كل ناحية، ويشنون تلك الأنواع من الحروب التي ناقشها مكيافيلي في القرن السادس عشر.