Atwasat

المرابطون الأسياد 9 أصول متناثــــرة

سالم قنيبر الثلاثاء 02 أكتوبر 2018, 10:04 صباحا
سالم قنيبر

ليست شهر زاد صاحبة الرواية، كذلك لم يكن سيدي مفتاح. لكنها قصة أرض، ووجود بشري فوق تلك الأرض. ويعود بنا الحديث عن الحدث وصُنّاع الحدث، وقد أشرنا سابقا إلى آخر مبتكرات التسلط، وهو صناعة الحدث. وللمكان دوره في وجود الحدث... على ضفاف الأنهار تستقر التجمعات البشرية وتتكاثر، وقد تنشأ الحضارات. النيل، دجلة والفرات، أو الدانوب والفولجا، والكنج، والمسيسيبيي وكذلك الأمازون. أسماء لها دلالاتها ووقعها المؤثر في وقوع الحدث.

وكذلك البحر، كان له الشأن الكبير في قيام أهم الأحداث وأكثرها شهرة وأعظمها أثرا. الفينيقيون من شواطئ صور وصيدا، أبحرت بهم سفنهم ليؤسسوا مراكز حضارة شملت معظم شواطئ البحر المتوسط ، مدن عامرة، وتجارة مزدهرة، وقدرة قتالية متفوقة. ولحق بهم الإغريق، من جزرهم وأشباهها، المتناثرة في البحر المتوسط. انتشروا، ليغمروا العالم القديم ويسودوه، استيطانا وثقافة وعلما، ومعرفة ظلت تحتل الصدارة عبر الأجيال. وكذلك كان شأن الرومان. وتميزت الصحراء باختيار لحمل رسالة الله إلى البشر، التي يتواصل تدفق أحداثها ويتتابع، بتتابع الزمان وتعدد أطراف المكان.

ونحن بصدد متابعة لقصة أرض، والوجود البشري فوق هذه الأرض، التي تلامس هضابها شاطئ البحر، كذلك, تنساب الصحراء لتختلط رمالها في اتساع برمال شواطئ البحر.

للبحر شأنه في الأحداث كذلك للجبال شأنها في قصة هذه الأرض، لكن الشأن الأول قديم، كذلك الشأن الأول حديث يصل للصحراء، التي تلجئنا من أجل التعرف عليها إلى العودة لحقب نشأة كرة الأرض وتطور أجيال الحياة ونموها فوق سطح كرة الأرض.
الصحراء لم تكن دائما صحراء. الصحراء الممتدة جنوبا باتساع لم تكن صحراء. صخورها الظاهرة على سطحها احتفظت بمواقع البحيرات والأنهار التي كانت تجري فوقها. وجدران الكهوف التي تتخلل جبالها، تاسيلي ، الحجار، تيبستي ، العوينات، أو أكاكاس، لا تزال تحتفظ برسوم الحيوانات التي كان أصحابها يزينون بها جدران مساكنهم، حيوانات السافانا من فيلة وزراف، أفراس نهر، أو أيل، وأسود وفهود.

وتحت قاع هذه الصخور وبين تجاويفها تأحفرت نماذج من الرخويات والسراطانات والقواقع والأسماك ، ومختلف ما تعاقب عبر الأزمنة من أنواع النباتات. وغَمر الوديان المستقرة داخل جوفها، المياه العذبة، ونتاج المواد العضوية المتراكمة التي تحللت عبر مئات الملايين من السنين.

هذه الصحراء التي تمتد رمالها إلى مشارف جبال نفوسة في شمال الغرب، والجبل الأخضر في شرقه. وتلتقي أَسِرَّتُها المهولة بساحل خليج سرت على امتداده. المخزن الدفين المذهل لحركة الطبيعة، وتطور الحياة في أعماق مياهها وعلى سطح اليابسة الذي ظهر منها. تظل مثار الحدث، وتتولى موقع القيادة في توجيه الحدث.

أحاديث شهرزاد وقصص لياليها المشّوقة التي دارت على ضفاف بردى، والفرات أو دجلة وسيحون والنيل. وتخاريف سيدي مفتاح الممتعة، في المربوعة.

كذلك ما ترويه الجدة العجوز. والمرابطون الأسياد الذين نجلهم ونحترم ذكراهم ونعمل على استرجاع طرفٍ من سيرتهم. أولئك جميعهم ، يجيء الاهتمام بهم ، دعما لاستكمال تولي الحدث، لكنه ليس الطريق لتناول ذات الحدث. أسماء أخرى، وسبل مختلفة ، ووسائل بعيدة المنال، وأدوات غير ميّسر تملكها، يصعب التوصل إليها أو الاقتراب منها. ما لم تتضح، وتتحدد، وتدرك ذلك المخزن المذهل البعيد الأغوار، لن تعبر بنا العفاريت مفاوزة، ولن يخترق بنا جن شهرزاد أعماقه. ولن ينفع دعاء الصالحين المرابطين أسيادنا في كشف الضر الذي يلحقه بنا الأشرار الشياطين من الناس.

بداية بالتعرف على تصنيف الأنواع منذ جون راي (1627 ـ 1705) ومن تبعه، ومرورا بالتطور والنمو والارتقاء الطبيعي عند شارلس دارون الشهير، ووصولا مَعْمَلِيّا إلى الاستنساخ من خلية كائن استطاع التأقلم مع عوامل الجفاف ولا يزال مقيما يتواصل وجوده في متاهة الصحراء. خرافة أخرى. اختراق البعد الزمني، تحت رمال الصحراء وصخورها.. حديث خرافة هذا، ومطلب بعيد.... بعيد المنال. ذلك التجوال، كان عدوا. تردد في متاهات ذلك الفضاء المذهل الرهيب.. متلفتا ، مستوضحا، في محاولة للتعرف، وابتغاء للتعريف. ويذهب بنا التجوال في الخلاء الصامت أو يأخذنا في اتجاه لقاء لما يمكن أن نتعرف عليه من معالم للوجود البشري فوق تلك الأرض، عبر الأز منة.

المراجع والهوامش:
1 - تشكل الصحراء الكبرى(ثلاثة ملايين ميل مربع) وتشمل القسم الأكبر من إفريقية حيث تمتد عبر القسم الأعلى منها، مسافة ثلاثة آلاف ميل عرضا من
الغرب إلى الشرق، ومسافة ألف ميل عمقا من الشمال إلى الجنوب، وتتألف الصحراء الكبرى التي تعتبر أكبر صحارى الكرة الأرضية من عدة صحارى متجاورة، الصحراء الكبرى في الغرب، الصحراء الليبية في الوسط، والصحراء العربية في الشرق، والصحراء النوبية في الجنوب. (جيمس ويللارد ـ الصحراء الكبرى ص22 ـ 23.)
2 - يصف جيمس ويللارد بعض الرسوم التي شاهدها في رحلته بالصحراء الكبرى بقوله "هنا على الطبقات العليا لجبل زنككرا يقوم أحد متاحف الفن التي خلفها أبناء الصحراء الكبرى في عهد ما قبل التاريخ في طول الصحراء وعرضها، وفيها يصفون بكتابات بسيطة يمكن تبينها بسهولة، وأحيانا برموز ذات أسرار هيئة العالم في صباح تلك الأيام، إذ كان الإنسان يخرج مع رفيقه
ليصطاد حيوانات لم تعد تعيش على تلك الأرض بعد ذلك لأجيال كثيرة ".. ثم يقول .. "الصحراء الكبرى متحف فني حقيقي للتصوير فيما قبل التاريخ
فليس هناك على وجه التقريب أي جزء منها دون نقوش خاصة به". منها ما تم تحديده وشاعت مصطلحات قياساتها لتأريخ ذلك الوجود.
3 - نشر شارلس دارون كتابه (أصل ألنواع ) سنة 1859 الذي ذهب فيه إلى تطور نشوء أصل الأنواع الحياتية والنباتية وتغيرها للتكيف مع الظروف البيئية واستمرار هذا التطور من خلال الانتقاء الطبيعي لتلك التغيرات.
وذهب في هذا الكتاب إلى القول بفكرة تطور الإنسان عن أصل حيواني شبيه بالقرد.