Atwasat

المرابطون الأسياد(2)

سالم قنيبر الخميس 19 يوليو 2018, 01:21 مساء
سالم قنيبر

- لا يصح أن نزعج الصغار بذكر ما ألحقه ذلك الزمن الملعون بالكبار
- هل بقي من الرجال من يستطيع الجهر بدعوة أو دعاء؟
مدينة المساء، يلفها الغروب المموج برؤى المعتقدات.
ثم يغمرها الظلام

- الزمن الذي لا اعتبار له يتسم بتشوه الملامح، هو بدون هوية، يفتقر إلى مقومات الزمن، وفيه ينعدم الاتزان. المعاناة من عطائه يأخذ الجيد، ويخلف الاكتئاب... زمن كرب ذلك الذي حل بالبلاد، تحكي الجدة للصغار.
- أخبرينا بطرف من تلك الأحداث، قالت الفتاة التي تجلس بالقرب من الجدة وتتابع حديثها بانتباه.
ـ ماذا يا بنيتي، همّ يجر خلفه بلاء، لم يتوقف، تلاحق، تصاعدت حوادثه المرعبة، وتعرض فيه الخيار من الناس إلى ألوان مخجلة من الإذلال والمهانة
والبؤس والشقاء.
ـ هل لي أن أستمع إلى مشاهد مما وصفته، يا جدتي الطيبة؟.
- معذرة بنيتي ليس الآن، إذ لا يصح أن نزعج الصغار بذكر ما ألحقه ذلك الزمن الملعون بالكبار. في وقت لاحق ـ قد يجيء ـ، سأخبرك ببعض مما
علمته، وتعيه الذاكرة.. واسألي أباك ـ فهو كما أعرف ـ من المطلعين على الكثير مما ورد في السير غير المدونة عن ذلك العهد الغابر المجرم المقيت.
ويبعد الزمن. يبعد كثيرا هذه المرة، مدينة المساء، يلفها الغروب المموج برؤى المعتقدات، ثم يغمرها الظلام. ضفائر الملكة الفتاة، درب من النجوم، عقد يتلألأ في السماء، نذر الخلاص من أجل الانتصار، ويبقى اسمها
الذي عرفت به المدينة. وتظل الملكة الفتاة مثار الحكايات المثيرة للخيال.
الشعراء، ورواة القصص، والمتتبعون للأيام، جذبتهم الأحداث. أباطرة، ملوك، وملكة أم، أرملة في مقتبل العمر؛ وأمير استقدم ليتدبر أمرا، فعصفت به الوقائع ونالت منه أحاديث تلك الأحداث. وتتابع مرور الزمن
ولحق بالمدينة التي تحمل اسم الملكة الفتاة الخراب. وطى، أرض، أو بحيرات ملح، واختفت أنقاضها تحت مقابر المرابطين الأسياد.

*
السيدة التي سطا على بيتها اللصوص لم تتلق عونا يذكر من أحد، اكتفى البعض بترديد خافت للأسف، واختفى آخرون ،أو هم آثروا الابتعاد.
ـ لم يكن الاعتداء على منزل السيدة المسكينة بغرض السرقة. قال أحد الجيران مخاطبا جاره الجالس على مصطبة حجرية معدة بجوار باب داره.
ـ ذلك صحيح، إنهم أعوان الشيطان.. هم من أعوانه الذين يحركهم في كل اتجاه لتنفيذ أغراضه الوضيعة، والتنكيل بمن شاء من عباد الله الذين ابتلوا بكارثة تسلطه.
ـ لكنها امرأة لا حول لها، ولا ضرر يمكن أن يتأتى من ورائها أو قدّامها من تكون هذه أمام قدراته المذهلة؟.
ـ تلك السيدة صاحبة البيت المعتدى عليه، كانت تكثر الاستعاذة من الشيطان، وأحيانا تجهر بقراءة المعوذتين.
ـ ولكن ما الذي يمكن أن يخشاه من مجرد تعوذ أو دعاء الكل هنا يدعو، ومنذ أمد ولم تكن استجابة وقد عز الرجاء.
ـ دعاء صامت.. لا يبين.. كان عليها أن تتوخى الحذر، إنه عندنا يبث أعوانه وينشرهم في كل مكان.. إنه يرانا من حيث لا نراه. وقانا الله شره، لم يعد
أحد بمنجى من أذاه.
ـ هذا صحيح، إنه يرى الأمور ويحسبها بغير ما نراه نحن، هذا اللعين، كانت السيدة تجهر بما ينم عن العداء، وهل بقي من الرجال من يستطيع الجهر بدعوة أو دعاء... وتوقف الجار الواقف عن الحديث متلفتا حوله، ثم انسحب وهو يطلق السلام على عجل.