Atwasat

ركن العامرية… الوضع الديني في ليبيا… الفتاوى أنموذجًا …(1)

فدوى بن عامر الأربعاء 18 أبريل 2018, 10:38 صباحا
فدوى بن عامر

أسابيع قليلة تفصلنا عن شهر رمضان الكريم وستنشط أسئلة الناس وسؤالاتهم المعتادة والمكرورة عن مبطلات ومفطرات الصيام رغم أننا تعلّمنا كل ما يتعلق بالصيام في الصف الرابع الابتدائي إن لم تخني الذاكرة. ونعود لعنوان المقالة… الفتوى… والفتاوى بوصفها إجابات عن أسئلة، فإن نظرنا لبعدها التاريخي وجدنا أنها ظهرت بظهور دين الإسلام فقد سأل الناس الرسول الكريم وأجابهم بما ناسب إدراكهم وزمانهم ومكانهم. وعبر التاريخ تطورت الفتاوى إلى أن تم تأطير سيلها داخل مؤسسات تحكمت فيها الدول بحسب اختلافات تياراتها السياسية والمذهبية.

والفتوى كما عرفتها الباحثة زهية جويرو والكثيرون غيرها هي "الإخبار بحكم الشرع في نازلة من النوازل إخبارًا غير ملزم وذلك تفريقًا للفتوى عن القضاء". فالفتاوى عبر الأزمان لم تكن يومًا ملزمة للسائل أو حتى القاضي وإنما هي لمعرفة رأي الشرع -بحسب فهم المفتي- في قضية من القضايا. ولكن علينا الاعتراف أن الفتوى قد تتحول لو رغب حاكم البلاد، إلى قرار أو حكم يلزم الجميع وبديهيًا أن الغاية حينها ستكون سياسية.

وكما أشارت جويرو فقد كان للفتاوى دور إيجابي وذلك حتى القرن السادس الهجري حينما بدأ إنتاج المعرفة بالانحسار باستقرارعلوم الفقه فكان من الطبيعي لجوء المفتي إلى إعادة تدوير الفتاوى وتكرارها وبذلك ابتعدت في مجملها عن ملامسة واقع الحياة وتغاضت عن الأخذ بالمقاصد فكانت اجترارًا لما كان كما نرى ونسمع ونتابع.

وها نحن الآن قد وصلنا أمام مشهد مرتبك ومربك من الفتاوى المنطلقة إلى كل اتجاه ومن كل الاتجاهات، من منابر القنوات المتلفزة على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية والسياسية والمساجد والجوامع المنتشرة في أنحاء البلاد. كذلك مواقع دار الإفتاء الليبية بشقيها الشرقي والغربي. وبالرجوع إلى ما افتتحنا به هذه المقالة فإنه لطالما ألحّ علّي سؤال أو ربما حزمة من السؤالات، أولها لماذا نسأل ونبحث عن فتاوى لما يعترض طريقنا في هذه الحياة؟ هل هو حرصنا على الحلال وخوفنا من اقتراف الحرام؟. أم محاولة منا لإيجاد مخارج لنا بين ما نؤمن به من جهة وما نواجهه من صعاب على أرض الواقع من جهة أخرى؟. أتراها محاولة منا للتوفيق بين رأي الشرع- بحسب فهم المفتي- ومشكلاتنا الحياتية؟. ثم هل الأسئلة التي يطرحها الليبي طلبًا للفتوى هي في صلبها أسئلة جوهرية متعلقة بإشكليات حقيقية أم مرتبطة بشكليات مكرورة لا تزيد مثقال ذرة في تطور المجتمع والنهوض به من المستنقع الخطير الغارق فيه.

هل نحن من المهتمين حقًّا بالقضايا الكبرى فنسأل مثلًا عن العدل والمساواة والإنصاف أم نكتفي بالسؤال عما إن كان شم عبير وردة في نهار رمضان من المفطرات كما أخبرني بذلك أستاذ الكيمياء ذات صباح رمضاني بعد توبيخي وأنا في الثانوية. هل نستفسر نحن الليبيين عن قضايا غاية في التعقيد والضرورة مثل الفساد المالي المستشري والإداري المهيمن والسياسي المستفحل والاجتماعي المسيطر الذي تكوي نيرانه جنبات الناس كل دقيقة من كل يوم بما في ذلك أيام رمضان ولياليه الكريمة أم ترانا نكتفي بالسؤال عن شئون المرأة كطلاء الأظافر وحكم نمص الحاجب من رسمه!.

على كل حال، كانت هذه بعض الأسئلة التي راودتني وسأحاول الإجابة عليها بطريقة علمية وحيادية قدر المستطاع وذلك للمساهمة في توصيف الوضع الديني العام في مجتمعنا الليبي والذي شهد ارتباكًا كبيرًا في الثلاثة عقود الأخيرة على وجه التقريب وازداد ارتباكًا بعد أحداث فبراير عام 2011 لاسيما بتعالي أصوات تؤكد تأكيدًا لا يقبل شكًّا وتجزم جزمًا لا تزحزحه قوة على "وسطية" الشعب الليبي و"محافظته"… هذا رغم الضبابية التامة والكاملة والشاملة لمعاني تلك الكلمات. فهل نحن حقًّا شعب وسطي ومحافظ؟. وما المعنى الدقيق للوسطي وما المعنى المحدد للمحافظ؟.

لا أدعي أبدًا القدرة على الإتيان بإجابات لكل هذه الأسئلة لكنني سأحاول وذلك في المقالة القادمة.