أبقت وزارة الخارجية الأميركية، في تقرير لها حول الاتجار بالبشر في العالم، ليبيا في قائمة الدول التي تشهد «حالة خاصة» للسنة التاسعة على التوالي، ويبرّر ذلك بعجز حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عن السيطرة بشكل فعال على مساحات شاسعة من الأراضي الليبية.

وفي تقريره السنوي الذي صدر الأسبوع الجاري، أكد مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الخارجية الأميركية تسبب الافتقار إلى القدرة المؤسسية، فضلاً عن الافتقار إلى قوى إنفاذ القانون الليبي والجمارك والأفراد العسكريين، خاصة على طول حدود البلاد، في إعاقة جهود السلطات لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، علما بأن القانون الليبي يجرم بعض أشكال الاتجار في الجنس، لكنه لا يجرم الاتجار بالعمال.

عقبات مكافحة الاتجار بالبشر في ليبيا
ومن صور عقبات مكافحة الظاهرة عدم عمل النظام القضائي الجنائي الليبي بكامل طاقته، إذ لم تكن هناك وحدات إدارية ومحاكم متخصصة للإشراف على قضايا الاتجار بالبشر. وبيّن التقرير الأمريكي «أنه كثيراً ما افتقرت سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية إلى فهم جرائم الاتجار بالبشر».

وكانت وزارة الداخلية المسؤولة اسميا عن الجهود، لكن في بعض الأحيان تكفلت بالمهمة المجموعات المسلحة المتفرقة التي كانت تتلقى رواتب من الحكومة، وتمارس أنشطتها دون تدريب رسمي، وبدرجات متفاوتة من المساءلة. وكان مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الاتجار بالبشر، يعلمون أنهم سيفلتون من العقاب بسبب عدم كفاية الإطار القانوني، وضعف القدرة على إجراء التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية.

تواطؤ رسمي ممنهج في جرائم الاتجار بالبشر
وواصل المراقبون الدوليون الإبلاغ عن التواطؤ الرسمي الممنهج في جرائم الاتجار بالبشر، وفي بعض الأحيان ارتكابها، بما في ذلك مسؤولو خفر السواحل الليبي، ومسؤولو الهجرة والأمن، وأعضاء الجماعات المسلحة المدمجة رسميا في مؤسسات الدولة.

وكشفت الخارجية الأميركية تسلل فصائل مسلحة وميليشيات وشبكات إجرامية مختلفة إلى الرتب الإدارية للحكومة، والمشاركة في أنشطة غير نظامية، بما في ذلك الاتجار بالبشر.

واستنادا إلى مصادر عدة موثوقة، فقد جرى الإبلاغ عن أن حراس مركز الاحتجاز التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والموظفين الإداريين أجبروا المهاجرين المحتجزين، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين، على العمل في المراكز ومواقع أخرى مثل المزارع ومواقع البناء.

وفي يناير 2024، قدرت منظمة دولية أن ما بين 4 آلاف و10 آلاف مهاجر ولاجئ، بما في ذلك على الأرجح العديد من ضحايا الاتجار غير المعروفين، كانوا محتجزين في 11 مركز احتجاز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وعدد غير معروف من مراكز الاحتجاز غير الرسمية الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة المتحالفة مع حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، وتعرضوا لمجموعة واسعة من الانتهاكات، بما في ذلك الاتجار بالجنس والعمالة. وتقدر المنظمة الدولية أن آلافاً آخرين احتُجزوا بشكل غير قانوني في مرافق تسيطر عليها الجماعات المسلحة أو في منشآت سرية.

وبدءا من مارس 2024، كان جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يدير ما لا يقل عن 30 مركزا رسميا لاحتجاز المهاجرين.

وعلى الرغم من أن ليبيا طرف في بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2000، فإن حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» كانت تفتقر إلى القدرات المؤسسية والموارد اللازمة لمنع الاتجار بالبشر، إذ لم يكن لديها هيئة تنسيق وطنية مسؤولة عن مكافحة الظاهرة، ولم تقم بأي حملات توعية عامة لمكافحة الاتجار بالبشر. كما أنها لم تتخذ إجراءات للحد من الطلب على أعمال الجنس التجارية. ولم تبلغ الحكومة عن الخطوات اللازمة لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم من قِبل الميليشيات أو الجماعات المسلحة التابعة لها أو المتحالفة معها، أو غيرها من الجماعات المسلحة العاملة في جميع أنحاء البلاد.

- فريق العمل الثلاثي المعني بالهجرة يضع أمام ليبيا 4 مطالب لتحسين ظروف المهاجرين
- شاهد في «نسخة إلى الرأي العام»: المهاجرون.. بين جشع المهربين ومتاجرة الساسة
- شكوى دولية ضد سياسيين أوروبيين متهمين بـ«التآمر» مع السواحل الليبي

ارتفاع معدلات الاعتداء على المهاجرين في ليبيا
ويبرز التقرير ارتفاعا في معدل انتشار الاعتداءات الجنسية، وغيرها من أشكال العنف الجنسي والاستغلال ضد المهاجرات على طول طرق الهجرة إلى ليبيا، وفي مرافق الاحتجاز التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والميليشيات في ليبيا. ومن بين مرتكبي العنف الجنسي ضد المهاجرات مجموعات مسلحة مختلفة، ومهربون، ومسؤولون في وزارة الداخلية. وتفيد المنظمات غير الحكومية الدولية أيضا بأن الرجال والفتيان المهاجرين معرضون بشكل متزايد للاغتصاب، وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي.

كما يفيد التقرير بأن شبكات الجنس التجارية تُخضع النساء والفتيات من جنوب الصحراء الكبرى للاتجار بالجنس في بيوت الدعارة، ولا سيما في مدن أوباري وسبها ومرزق في جنوب ليبيا، حيث تتعرض النساء والفتيات النيجيريات لخطر متزايد للاتجار بالجنس في ليبيا. ووفقا لمنظمة غير حكومية أوروبية، تجند العصابات النيجيرية الفتيات النيجيريات من المناطق الريفية في البلاد، وتسهل نقلهن عبر ليبيا للاتجار بالجنس في إيطاليا ودول أوروبية أخرى.

تجنيد الأطفال في شرق ليبيا
وفي الشرق الليبي، أفاد تقرير الخارجية الأميركية بأن إحدى المنظمات غير الحكومية لفتت إلى تجنيد السلطات الليبية أو استخدامها الأطفال كجنود خلال فترات التقرير السابقة.

وأدرجت الخاجية الأميركية 13 دولة في القائمة السوداء، المتهمة بالتورط بشكل مباشر في الاتجار بالبشر، وهي: أفغانستان وبيلاروس وبورما والصين وكوبا وإريتريا وكوريا الشمالية وإيران وروسيا وجنوب السودان والسودان وسوريا وتركمانستان.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال تقديمه التقرير الذي يشمل 188 دولة، منها الولايات المتحدة، أنه في نسخة 2024 تدرس واشنطن على وجه الخصوص الدور المتزايد للتكنولوجيا الرقمية في الاتجار بالبشر.

ودان بلينكن المهربين الذين يستهدفون الضحايا ويجندونهم عبر الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة ومنصات الألعاب، ويقومون بمعاملات مالية بعملات مشفرة غير شفافة. وأشار بشكل خاص إلى المهربين الذين يلجأون إلى عروض العمل الكاذبة لجذب الأشخاص بعيدا عن ديارهم، ثم يجدون أنفسهم، على سبيل المثال في بورما، من دون حرية التنقل.

عموما، يتعرض نحو 27 مليون شخص حول العالم للاتجار بالبشر، الذي يدر دخلا غير قانوني يبلغ نحو 236 مليار دولار سنويا، وفق أرقام منظمة العمل الدولية.