على خطى الانقسام الذي فرض نفسه في التعامل مع كارثة انهيار السدين في درنة شرق البلاد قبل خمسة أشهر تقريباً، يجرى التعاطي مع ظاهرة ارتفاع منسوب المياه الجوفية الذي تشهده مدينة زليتن غرب البلاد منذ أسابيع.

وفيما يخشى أن تتحول زليتن (150 كم شرق العاصمة) إلى كارثة لم يسجل سكان المدينة «خطوات حكومية على الأرض لمواجهة كارثة وشيكة»، وفق ما أوضح في بيان لهم وجهوه إلى الرأي العام.

ولم يتباطأ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في الدخول على خط ما تتعرض له زليتن التي تقع ضمن حدود سلطة «حكومة الوحدة الوطنية»، وكذلك فعل رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب أسامة حماد، الأمر الذي يرفع من حدة الاستقطاب السياسي ويعيد سيناريو ما يجرى بشأن مسألة إعادة إعمار درنة والمناطق المنكوبة الناجمة عن عاصفة «دانيال» وانهيار السدين.

- للاطلاع على العدد 428 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وفيما حث عبدالحميد الدبيبة على متابعة أوضاع المواطنين المتضررين واعتماد الخطة المقدمة من فريق الخبراء المحليين ومتابعة جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان لعمل فريق المكتب الاستشاري البريطاني، طالب عقيلة صالح من جهته أسامة حماد بإيجاد الحلول اللازمة لارتفاع منسوب المياه الجوفية، واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المواطنين من أخطارها، وتوفير جميع الاحتياجات.

مكتب استشاري دولي يبحث ظاهرة منسوب المياه في زليتن
وينتظر أن يحل المكتب الاستشاري الدولي في بلدية زليتن، الجمعة، للوقوف عند أسباب ظاهرة ارتفاع منسوب المياه التي تعود إلى سنوات وتفاقمت هذه الأيام مع عدم مبالاة السلطات المسؤولة المتعاقبة.

وفي سياق المشهد الانقسامي أصدرت حكومة حماد قراراً يقضي بتعيين سراج عيسى مديراً عاماً لمصلحة الضرائب بعد فترة وجيزة من صدور قرار الدبيبة تعيين محمد إدريس مديراً لها، ما يعكس الصراع على موارد المال؛ إذ حققت المصلحة أعلى نسبة إيرادات منذ تأسيسها بقيمة 3 مليارات دينار.

مؤتمر حول الهجرة في بنغازي.. وقمة بروما
وكان للمشهد الانقسامي الحكومي هذه المرة بُعد دولي على خلفية قضية الهجرة غير النظامية من أفريقيا في اتجاه أوروبا، في ظل الوضع السياسي والأمني الهش الذي تعيشه البلاد، فقد احتضنت مدينة بنغازي مؤتمراً أفريقياً حول الظاهرة منتصف هذا الأسبوع، متزامناً مع انعقاد قمة إيطالية أفريقية في روما بمشاركة ليبية ممثلة في «حكومة الوحدة الوطنية».

وحاولت روما خلال هذه القمة إقناع الأفارقة خاصة الليبيين بمشروع باسم «خطة ماتي» التي استمدت اسمها من اسم مؤسس مجموعة الطاقة الإيطالية «إيني»، والتي ترتكز على برامج الطاقة. إلى ذلك ناقش الدبيبة مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال سبل إطلاق الحوار الليبي الأوروبي الاستراتيجي حول قضايا الهجرة، إضافةً إلى آليات التعاون بين ليبيا وأوروبا في مجال الطاقة النظيفة، وفي المقابل وجه المشاركون في مؤتمر بنغازي الذي نظّمته حكومة مجلس النواب يومي الإثنين والثلاثاء بحضور وزيري خارجية وداخلية النيجر بكاري ياو سانغاري ومحمد تومبا رسائل غير مباشرة رداً على مخرجات قمة روما أكدوا فيها رفضهم سعي الاتحاد الأوروبي للعب دور الشرطي في قضية الهجرة، وطالبوا حسب بيانهم الختامي الذي صدر تحت اسم «إعلان بنغازي» بعقد قمة أفريقية عاجلة لوضع استراتيجية موحدة بخصوص ملف المهاجرين غير القانونيين، مشددين على ضرورة تجنب التوظيف السياسي لقضيتهم.

باتيلي يحاول إنقاذ مبادرته
وفي هذه الأثناء عاد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إلى التحرك من شرق البلاد إلى غربها محاولاً إنقاذ مبادرته لعقد الطاولة الخماسية، فبحث مع عقيلة صالح مستجدات الأوضاع السياسية بعد يوم من اتفاق باتيلي مع قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر على تسريع الجهود الجماعية لحل الأزمة السياسية؛ حيث أعلن صالح من مقر مجلس النواب في بنغازي أن القوانين الانتخابية صدرت وهي قابلة للتنفيذ و«ما علينا إلا الاتجاه لتنفيذها»، مؤكداً أنه بات بالإمكان دراسة شروط انتخاب رئيس الوزراء، محذراً من أن فتح باب الحوار من جديد سيعيد ليبيا إلى المربع الأول.

- للاطلاع على العدد 428 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مساء الثلاثاء مع رئيس البرلمان الأفريقي فورتشن شارمبيرا في بنغازي قال صالح أيضاً إن مجلس النواب «هو الجسم التشريعي الوحيد المنتخب من الشعب الليبي، ويملك دون غيره صلاحيات إصدار القوانين ومنح الثقة للحكومة، وسحبها والتصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية»، واعتبر أن أي محاولة للقفز على هذه الصلاحيات والاختصاصات أو تعطيل عمل مجلس النواب «اعتداء على صلاحيات واختصاصات أي برلمان منتخب».

باتيلي يتلقى مطالب عسكريين وأمنيين من غرب البلاد
وقبيل توجهه إلى بنغازي تلقّى المسؤول الأممي مطالب 20 قيادياً من ممثلي الجماعات العسكرية والأمنية في غرب البلاد مساء الأحد بعملية سياسية أكثر شمولاً من شأنها أن تؤدي إلى حلول مستدامة للأزمة في ليبيا، وجرى إبلاغه بأن تكون طاولة الحوار المزمع عقدها سداسية تشمل حضورهم موازاة مع مشاركة المشير حفتر.

وليس بعيداً عن ذلك تحدثت مصادر متطابقة عن اعتزام رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة التوجه إلى المغرب الشهر الجاري ليلتقي عقيلة في إطار مساعي حل الخلافات بين مجلسيهما للتوصل إلى توافق بشأن القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعدما التقى الرجلان للمرة الأولى في القاهرة نوفمبر الماضي دون أن يتوصلا إلى أي اتفاق.

وتدلل معطيات المشهد الليبي على أن الانقسام السياسي، خاصة الحكومي منه سيظل قائماً إلى حين إشعار لا يمكن التنبؤ بموعده؛ بل هو يتمدد ويتحول إلى أمر واقع تمثله حكومتان قائمتان في غرب البلاد وشرقها بمؤسسات وميزانيات وسلطات متوازية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الليبية، ويعيق مساعي حلها، وعلى رأسها مهمة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الذي لم ينج كأسلافه من كمين هذا الانقسام.