Atwasat

بعد عودتها من المناطق المنكوبة.. غازيني تثير «نقاط ظل» في انهيار سدي درنة

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 04 أكتوبر 2023, 12:59 صباحا
WTV_Frequency

عادت الباحثة الإيطالية المتخصصة في الشأن الليبي كلوديا غازيني بخلاصة زيارتها إلى المناطق المنكوبة في شرق ليبيا، وبحثت عن قرب مع مسؤولين وشهود عيان عن أسباب انهيار سدي درنة عقب العاصفة الجارفة، في محاولة للإجابة عن سؤال كثيرًا ما تردد إن كان ما وقع «كارثة طبيعية وليست كارثة بشرية المنشأ».

ووقفت غازيني عبر تقرير لها نشرته مجموعة الأزمات الدولية، بعد زيارة ميدانية إلى درنة، على ما تبقى من دمار بعدما انهار سدا المدينة في الساعات الأولى من يوم 11 سبتمبر، حيث قررت أن تفهم لماذا لم يتحمل السد هطول الأمطار الغزيرة، وترى ما تبقى من أكبر الحواجز، وهو سد وادي أبو منصور، إذا كان انهياره وسدًا آخر أصغر حجمًا على مشارف المدينة، هو الذي حول الفيضان إلى مأساة إنسانية.

الرحلة إلى مصدر الطوفان أصبحت أطول بسبعة أضعاف
ونقلت الباحثة في أول الأمر طول المسافة للوصول إلى مصدر الطوفان، حيث الطريق الذي يحيط بالوادي ويربطه بالمدينة قد جرى محوه مع كل شيء آخر في محيطه. ونتيجة لذلك، فإن الرحلة التي كان من المفترض أن تكون 13 كيلومترًا أصبحت الآن أطول بسبعة أضعاف.

ونقلت غازيني غضب الليبيين من الكارثة التي أودت بحياة الآلاف، وألقوا باللوم على السياسيين لفشلهم في صيانة السد الذي بنته شركة «يوغوسلافية» في منتصف السبعينيات أو لعدم إصدار الأوامر في الوقت المناسب لسكان درنة بالإخلاء، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون أن أمرًا خطيرًا قد يحدث مع اتجاه العاصفة نحو المدينة.

ومن الفرضيات المتداولة حول الانهيار، حسب غازيني، يقول بعض سكان درنة إن صمامات السد لم تكن مفتوحة عندما ضربت العاصفة «دانيال» المنطقة؛ الأمر الذي كان يجعله أكثر عرضة للانهيار في عاصفة بهذا الحجم. وهناك أيضًا مزاعم مثيرة للقلق حول قيام المسؤولين باختلاس الأموال المخصصة لتجديد السد.

وفي ظل الانقسام الحكومي بين شرق وغرب ليبيا، يوجه نشطاء ليبيون معارضون أصابع الاتهام إلى المشير خليفة حفتر وقواته، بينما تصف الباحثة الإيطالية ما حدث لرئيس بلدية درنة السابق، المقرب من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بأنه جرى التضحية به كـ«كبش فداء».

وعمومًا، فإن معظم المواطنين الليبيين يميلون إلى إلقاء اللوم على مزيج من الإهمال والمخالفات، وليس فقط قوى الطبيعة في الكارثة. وواصلت غازيني تروي مقتطفات من رحلتها إلى ما تبقى من سد أبومنصور، والذي أبلغوها الخبراء أن هذا النوع من السدود المصنوعة من الطين والصخور قوي جدًا.

- مراسلة «سي إن إن» ترصد أحوال الناجين وتتساءل: أرواح مكلومة في درنة.. كيف لها أن تشفى؟
- «أطباء بلا حدود» ترصد أبرز علامات الصدمة النفسية على الناجين من فيضانات ليبيا
- شاهد في «تغطية خاصة»: من يتحمل المسؤولية القانونية عن كارثة درنة؟

روايات شهود عيان ليلة الانهيار
وأخبرها شهود عيان أن الفيضان بدا وكأنه جاء من العدم. وقال شاب يعيش على مقربة من المكان «عند غروب الشمس، كان الوادي لا يزال جافاً»، مشيرًا إلى الوادي الذي ينحدر على الأقل 200 متر ويصب في وادي أبو منصور. وأكد حارس السد ما قاله الشاب، مردفًا «بدأ السد يمتلئ حوالي الساعة الثامنة مساءً، ولكن في منتصف الليل كان ممتلئًا إلى نصفه فقط. كان ذلك بين منتصف الليل والثانية صباحاً عندما بدأت المياه ترتفع بسرعة خطيرة. وبحلول الساعة الثانية صباحًا، وصل الماء إلى ارتفاع مترين فوق السد، وتدفق إلى الجانب الآخر». وأضاف أن ذلك أدى إلى إضعاف هيكل السد تدريجياً، ما أدى إلى انهياره: «كنا نسمع احتكاك الصخور أثناء تفككها، مما ترك أيضًا رائحة غريبة للمواد المحترقة في الهواء»، وانهار السد في الساعة 2:40 صباحًا.

وانتقلت الباحثة للحديث مع الحارس المسؤول عن السدود في الوادي عبدالله تونسي، وبعد ذلك تحدثت مع مسؤول في بنغازي يدعى عبدالقادر السويسي، الذي يدير جميع السدود في شرق ليبيا ويعمل كلاهما تحت سلطة وزارة المياه التابعة لحكومة الحكومة الوطنية الموقتة.

روايات مسؤولي السدود
وأكد كلاهما أن الصمامات كانت مفتوحة منذ التسعينيات. وأوضح تونسي أن السد جرى تصميمه في الأصل لأغراض الري، ولكن في أواخر الثمانينيات أدرك المسؤولون أنه يعاني من مشاكل هيكلية، حيث كانت المياه تتسرب من تحته، مما أدى إلى إنشاء قناة جديدة، ولذلك توقفوا عن استخدامه للاحتفاظ بالمياه، ولهذا السبب تركت الصمامات مفتوحة.

ومن شأن ذلك أن يقوض الادعاءات المنتشرة في درنة، والتي تلقي بعض اللوم في الكارثة على مسؤولي السد. ومع ذلك، يقول عدد من سكان درنة إنهم لا يعتقدون أن الصمامات كانت مفتوحة. ويزعمون أن المزارعين أغلقوا الصمامات لري أشجار الرمان عند قاعدة الوادي الجاف أسفل السد.

وتجنبت الباحث تحديد الرواية الأكثر صوابًا، لكن وفقا لحسابات وزارة المياه بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة، فإن السد كان محكومًا عليه بالفشل بغض النظر عن كيفية تشغيله، وربما ملأ ما يصل إلى 100 مليون متر مكعب من المياه الوادي في تلك الليلة. وقد أدى الضغط الناتج عن ذلك في نهاية المطاف إلى انهيار السد، المصمم للاحتفاظ بما لا يزيد على 22 مليون متر مكعب من المياه.

وأخبر السويسي كلوديا غازيني أن إجمالي قدرة تصريف المياه للسد يبلغ 170 مترًا مكعبًا في الثانية، لكن في تلك الليلة: «حسبنا أن تصريف جميع المياه الداخلة إلى الوادي سيتطلب قدرة تصريف تبلغ 1200 متر مكعب في الثانية». وفي جوهر الأمر، ووفقًا لحساباتهم، فإن ما حل بدرنة كان كارثة طبيعية وليس كارثة بشرية المنشأ.

وأثارت المختصة في الشؤون الليبية إحدى النقاط التي يبدو أن هناك اتفاقًا واسع النطاق عليها هي أن لا أحد تقريبًا في درنة أو في محيط السد رأى الكارثة قادمة. فقبل أيام قليلة من العاصفة، اجتمع مجموعة من سكان درنة لمناقشة كيفية حماية أنفسهم. وقال أحد الأشخاص الذين حضروا الاجتماع إنه لم يبدو على أحد القلق الشديد. وأوضح: «لقد كانت مناقشة نظرية وافتراضية.. ولم يدفع أحد إلى تنبيه السلطات والتحذير من خطر الانهيار الجدي».

- الحويج: الاحتباس الحراري سبب كارثة درنة.. ونحن ضحايا الدول الصناعية الكبرى
- الصور يرد على المطالبات بالتحقيق الدولي في كارثة درنة
- «كأننا في ساحة حرب».. ماذا قالت مراسلة «سي إن إن» عن مشاهد الدمار في درنة؟ (فيديو)

شهادة الغيثي: الشغل الشاغل كان بنغازي قبل الكارثة
وبعد بضعة أيام، التقت الباحثة برئيس بلدية درنة عبدالمنعم الغيثي، المقال في أعقاب العاصفة، في بهو فندق في مدينة البيضاء (ثم جرى سجنه) وخلال اللقاء، ادعى أنه «لم يخطرنا أحد في المدينة أن العاصفة يمكن أن تتسبب في انهيار السد». زيادة على ذلك، في الأيام التي سبقت العاصفة، كان الشغل الشاغل للسلطات المحلية هو بنغازي، المدينة الرئيسية في المنطقة، والتي تقع على المسار الذي توقع فيه مسار «دانيال». وبدلا من ذلك، تحولت العاصفة بشكل غير متوقع شرقا، تاركة بنغازي سالمة نسبيًا. كما رفض الادعاء بأن المجلس البلدي لدرنة الذي يرأسه يتحمل أي مسؤولية عن صيانة السد.

وفي درنة، كان الخوف الأكبر قبل العاصفة هو أنها قد تلحق الضرر بالمنطقة السكنية المطلة على البحر. وقال الغيثي «اعتقدنا أن الخطر سيأتي من البحر». وكان السكان يستعدون أيضًا لفيضان محتمل للسدود - وهو أمر شهدوه بالفعل مرتين من قبل - ولكن ليس الانهيار الفعلي للسدود. ومع ذلك، أصر رئيس البلدية على أن لجنة الطوارئ في المدينة التي جرى تشكيلها قبل ثلاثة أيام من العاصفة أصدرت أوامر بإخلاء الأحياء الثلاثة (السيدة خديجة وحي البلاد وجبيلة) الأكثر عرضة لخطر الفيضانات؛ لأنها كانت على أرض منخفضة. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر رجال شرطة في سياراتهم وهم يأمرون الناس بالمغادرة. قال عمدة المدينة: «لسوء الحظ، لم يستجب سوى القليل للتحذير».

ومع ذلك، يشكك الليبيون بأنحاء البلاد في عدم مسؤولية السلطات فمنذ وقوع المأساة، ترددت أنباء على نطاق واسع أنه على الرغم من علم السلطات أن السد يحتاج إلى صيانة، إلا أنه لم تجرى الصيانة اللازمة على الإطلاق.

وقال السويسي إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما كان معمر القذافي لا يزال في الحكم، أدرك المسؤولون الحكوميون أن وادي أبو منصور يعاني من أوجه قصور هيكلية. وقال لغازيني: «لقد تعاقدنا مع شركة استشارية سويسرية لدراسة الموضوع ووضع خطة لكيفية حله وفي نهاية المطاف، قمنا بتعيين شركة تركية لتنفيذ أعمال تجديد السد». ووقعت شركة «أرسيل» عقدًا في العام 2008 وبدأت العمل في السد العام 2010. وقال السويسي إن التأخر لمدة عامين في بدء العمل في السد يرجع إلى التأخير في السداد. ومع ثورة فبراير 2011 والتدخل الذي أعقب ذلك غادر الفريق التركي. وبعد ذلك، سُرقت جميع المعدات التي تركتها «آرسيل» ورائها.

وتابع السويسي أنه في العام 2014، وقّعت الحكومة (برئاسة رئيس الوزراء آنذاك علي زيدان) عقدًا جديدًا مع شركة «آرسيل» لتعويضها عن المعدات المفقودة. لكن بحلول ذلك الوقت، كان تنظيم «داعش» قد سيطر على درنة، ولم يسمح الوضع الأمني للشركة باستئناف أعمال التجديد.

وبعد هزيمة التنظيم وتدخل قوات القيادة العامة للسيطرة على درنة، في العام 2018 كانت ليبيا قد انقسمت بالفعل إلى حكومتين متنافستين، واحدة في الشرق والأخرى في طرابلس. وكانت تركيا تدعم حكومة طرابلس التي أبرمت معها «آرسيل» العقد، وبالتالي كان من المستحيل على الشركة أن تعمل في الشرق.

منع الكارثة لم يكن ممكنًا حتى لو بُني سد جديد
ومع ذلك، يقاطع السويسي بأن الكارثة لم يكن من الممكن منعها حتى لو بني سد جديد. وقال: «لا يمكن حتى لسد جديد تمامًا أن يمنع هذه الكمية من المياه، بالنسبة لنا، كانت هذه كارثة طبيعية بنسبة 100%»، مردداً الموقف الرسمي لوزارة المياه في طرابلس.

وتؤكد غازيني صعوبة التحقق من مصداقية كلام السويسي فقد بدأت المأساة بالفعل كظاهرة طبيعية، عاصفة عابرة أسقطت كميات قياسية من الأمطار ولكن من الواضح أيضًا أن البنية التحتية التي تحمي درنة لم تكن في حالة مثالية، وأن إهمالها كان له أثر كبير. كما أن هناك أيضًا تساؤلات حول كيفية إدارة عقد التجديد مع «آرسيل».

وعلى وجه الخصوص، أثارت صحيفة «نيويورك تايمز» تساؤلات حول ما إذا كانت بعض الأموال المخصصة لإعادة تأهيل السد قد ذهبت إلى رشاوى للمسؤولين الليبيين.

وقام ديوان المحاسبة، الذي يملك مئات الوثائق المتعلقة بعقد «آرسيل»، بإحالتها إلى مكتب المدعي العام للتحقيق فيها. ويجري الأخير مجموعة من التحقيقات في انهيار السد، حيث أمر باحتجاز عدة أفراد على خلفية القضية. وتابعت الباحثة أنه إذا جرى احتجازهم، فهذا لا يعني أنهم مذنبون أو أن جريمة قد ارتكبت لأن في ليبيا يمكن اعتقال الأشخاص دون سبب محتمل.

غازيني: الحل في تعيين لجنة تحقيق مستقلة
وفي ختام شهادتها، تقول غازيني إن التوصل إلى تقييم نهائي لما حدث يومي 10 و11 سبتمبر، سيحتاج الخبراء المحليون والدوليون إلى التحقق من مستويات هطول الأمطار، وإجراء عمليات تفتيش ميدانية لما تبقى من سد وادي أبو منصور، وتحليل العقود والوثائق الأخرى، والتحدث مع المسؤولين وشهود عيان. وقالت إن الليبيين يريدون إجابات، ونظراً لانعدام ثقة الناس في مؤسسات بلادهم، يتعين على السلطات والشركاء الأجانب النظر في تعيين لجنة تحقيق مستقلة مكلفة بإجراء تحقيق شامل في هذه المأساة.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
افتتاح مركز صحي لدعم النازحين السودانيين في الكفرة
افتتاح مركز صحي لدعم النازحين السودانيين في الكفرة
خبراء يحذرون: النفوذ الروسي في ليبيا يصل «مستويات خطيرة»
خبراء يحذرون: النفوذ الروسي في ليبيا يصل «مستويات خطيرة»
أرقام رسمية: 1.37 مليار دينار إيرادات النفط في أبريل الماضي
أرقام رسمية: 1.37 مليار دينار إيرادات النفط في أبريل الماضي
ضبط أشخاص في حملة ضد معاكسة الطالبات في المرج
ضبط أشخاص في حملة ضد معاكسة الطالبات في المرج
الدبيبة يوجه بعودة شركة الخدمات العامة طرابلس لمباشرة أعمالها
الدبيبة يوجه بعودة شركة الخدمات العامة طرابلس لمباشرة أعمالها
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم