على مدى السنوات الأربع الماضية توليت تغطية موضوع أسبوعي عن الفن التشكيلي لقسم (الثقافة والفن) من هذه البوابة المنظمة والمنتظمة، وخيل لي أنني كتبتُ عن الفنانين الليبيين كافة، ثم اتجهت نحو العرب منهم، وكذلك العالميين، ولم يخطر ببالي أنني غفلت عن أحد أهم فناني ليبيا المعاصرين، على الرغم من أنني أذكر جيدًا أن لوحته (العربية الليبية) التي كانت في طفولتي هذا الناقل الرسمي لزفة العروس من بيتها إلى بيت زوجها، وكيف أنه كان يحظر علينا التسلق خلفها لنيل فسحة مجانية، فعربة العروس لابد أن تكون لها وحدها دون إزعاج من أحد.
فنان جعل من الفن التشكيلي جزءا من الثقافة الليبية
ولعل لوحة العربة التي يجرها حصان، وهي تنقل عددًا من رجال، يبدو أنهم منتشون، كثيرًا ما رأيتها ولكن لم يخطر على بالي أنها لرسام من يفرن عاش في طرابلس اسمه محمد البارودي، ويعد، مثلما كتب الأديب منصور بوشناف أحد أهم الرسامين الليبيين الذين أخلصوا للفن التشكيلي في ليبيا وعملوا طوال حياتهم لجعله جزءًا من الثقافة الليبية المعاصرة. مؤكدًا أنه «لم يدرس الفن أكاديميًّا، ومولع بالمشهد الليبي ريفًا وبادية ومدينة وكان وعبر اطلاعه على المنجز الأوروبي التشكيلي، خاصة فن عصر النهضة والفن الواقعي والانطباعي ومدفوعًا بموهبته وبتأثيرات بعض الرسامين الأوروبيين وخاصة الذين التقاهم في طرابلس...» ... مضيفًا أن «البارودي ودون الدخول في محاولات النسخ للأوروبي التي يولع بها الرسامون العرب في تلك الفترة ـ ستينيات القرن الماضي ـ قد بدأ مشروعه الفني الخاص وهو رسم المشهد الليبي ببيئته وإنسانه ونسائه ورجاله وأطفاله بألوان زاهية تقترب كثيرًا من ألوان الانطباعيين الأوروبيين».
لوحاته من الواقع الملموس
ولم تكن مشاهد لوحاته من الذاكرة؛ بل من الواقع الملموس، فكانت العربة أو (الكروسة) التي تجرها الخيول أو الحمير هي مواضيعه، ناهيك عن مشاهد «المزارات وباعة البطيخ والنساء الحافلات بالزينة من فضة وأردية زاهية الألوان عناصر يزدحم بها المشهد اليومي لتنقلها ريشة البارودي ملونة إياها بانطباعيتها الخاصة..» ولعله بسبب غياب المتلقي، أو المهتم الليبي، بسبب واقع البلاد الثقافي، وكذلك المالي اقتصر المهتمون باللوحة واقتنائها، على بعض السواح أو الأجانب المقيمين بالبلاد في ذلك الوقت. ولذلك لم يترك لنا إنتاجًا كثيرًا.
تجربته كانت سببًا رئيسيًّا في توطين الرسم في ليبيا
ولقد عاش البارودي كرسام مهاجر في ألمانيا بالتحديد، ليعود ثانية إلى طرابلس لتتشكل تجربته فكانت سببًا رئيسيًّا في توطين الرسم في ليبيا. تجربة تختلف عن التجارب الليبية الأخرى، لكنها أثبتت قدراته على المزاحمة، بمواضيع وألوان لم يعرفها العالم الآخر.بقي أن نعرف أن الفنان التشكيلي الراحل محمد البارودي (1931-2003) شخصية متميزة، عشق الريشة، الخيل والبحر، وصل طرابلس مترجلًا بإبله من جبل يفرن، إلى طرابلس.. وكان من أوائل من استخدموا الموس في الرسم.
تعليقات