في دارالفرجاني وفي حفل توقيع مجموعته القصصية «مناكفات الربع الأخير» الخميس الماضي، حاورت «الوسط» القاص والروائي جمعة بوكليب حول مجموعته التي تحتفي بالأمكنة والبلدان والذكريات التي تتدفق في قالب سردي مشبع بشغف التجوال مثل مؤلفاته الأخرى «حكايات من البر الإنجليزي»، و«نهارات لندنية».

● عنوان المجموعة «مناكفات» لا يحيلنا إلى موضع استقرار نفسي أو تصالح مع الواقع؟
سبب اختياري للعنوان كما كتبت في جريدة الصباح الليبية هو استلهامي للاسم من قصيدة (مناكفات الكهولة) للشاعر الراحل محمد الفقيه صالح، يكتب الفقيه شعراً وأرد عليه سرداً، الفكرة أن المشاغبات لا تقتصر على الطفولة فالكهولة لها مشاغباتها أيضاً.

● نطالع مناطق عبور للذات والذاكرة من لندن إلى طرابلس والعكس، تبدو مشغولاً بالعثور على رؤية أخرى خارج حساباتك؟
أشير إلى ما دوَّنه الشاعر رامز النويصري في موقع بلد الطيوب بتعبيره (الكتابة بحبر الحنين) أيضاً في حديث مع الشاعر سالم العالم قال إن البطل في المناكفات هي المدن والقراءتان من وجهة نظري صحيحتان فهي تنغمس في الحنين وتسافر إلى مدن (طرابلس، أنجامينا، جنيف، لندن) مدن صادف أن زرتها وعشت فيها أو تخيلتها فمثلاً (أنجامينا) لم أزرها وإنما كتبت عنها في السجن العام 1980، تتحدث عن شاب ليبي ذهب إلى أنجامينا ليحارب، القصص مجموعة ذواكر وأزمنة، ويمكنني اعتبار المناكفات «أضمومة الزمان والمكان».

- بوكليب يوقع «مناكفات الربع الأخير» بدار الفرجاني
- توقيع «مناكفات الربع الأخير» للروائي الكبير جمعة بوكليب في معرض القاهرة للكتاب (صور وحوار)

● أي من هذه الأماكن يمثل نقطة مرجعية لك في مناكفات؟
أرى أن طرابلس هي المركز الذي تدور حوله المدن والأماكن وفي العموم هذه الرؤية لا تخصني وحدي، فالشاعر محمد الفقيه صالح كان يرى طرابلس أجمل بقعة في العالم، وأضيف إلى جانب أنك تجد في طرابلس النكران، أي تنفضك بسرعة.

● هل طرابلس تنكر أبوكليب الإنسان أم الكاتب؟
تنكرني كذات متحررة ومستقلة تحاول أن تعبر عن ذاتها، فهو يبدأ مع رغبتك في التميز وشعوري به كان سابقاً حتى قبل صدامي مع السلطة، بمعنى أن طموحاتك لا يستوعبها واقعك والحيز يضيق بالخيال بعد اصطدامه بالتابوهات وكذا طقوس المعتاد، باختصار طربلس ترفض من يرفض العيش مع القطيع. تكونت هذه الدائرة وقويت عبر أزمان عديدة عمد فيها الحكام ضمن لعبة سياسية إلى تتبع ميول وتفكير غالبية المجتمع ثم حماية ومجابهة من يعارض المفهوم السائد لكسب ود الناس والثقافة العربية في المجمل لا تسمح بالفردية والتميز.

● الانتقال من القصة الى الرواية والعكس، هل يحدث هذا الانتقال الكتابي بسلاسة؟
يحدث أن تشدني الرواية مثلاً إلا أنني كتبتها بشكل مختلف ولم أخضع لشروطها المعروفة، أعتقد أن الرواية هي من كتبتني ولست أنا.

● ما المعطيات التي وجدتها تبرر دخولك لفضاء السرد الروائي؟
كنت في حالة توهج كتابي خاصة وأن «حكايات من البر الإنجليزي» لاقت استحساناً ملحوظاً من القراء ثم اتجهت إلى شكل مغاير في الكتابة عبر مجموعة «خطوط صغيرة في دفتر الغياب» كنت مشغولاً بكسر القوالب والكتابة بأسلوب مختلف.

● هل وصلت إلى الأسلوب الذي يمثل جمعة أبوكليب؟
أزعم أنني وسط الطرق العديدة والمتشابكة صنعت لنفسي مساراً خاصاً بي له خصوصية اللغة وطريقة التفكير بمعنى بصمة أو علامة.

● كيف نفهم علاقتك مع الزمان والمكان؟
العلاقة معهما اتضحت أكثر في السجن حيث يتوقف الزمن، بمعنى إذا كان الزمن هو توالي أحداث في حياتك فإن توقفها يعني توقفه في مقابل محدودية المكان والأخير (المكان) من جعلني بعد الخروج من السجن مندفعاً بصورة محمومة لتعويض كل لحظة فقدتها في السجن، وفي الوقت ذاته جعلني مسكوناً بهاجس الخوف من العودة إليه؛ لذا أسعى لاستغلال كل لحظة من لحظات البقاء خارجه.

● فماذا عن المستقبل؟
على المستوى السياسي والشخصي يخيفني؛ فالأول مرتبط بالمصير المجهول للبلد، والثاني يتعلق بارتباط الإنسان بالحياة وتعلقه بها حيث تكمن حتمية المغادرة.

غلاف المجموعة القصصية «مناكفات الربع الأخير». (بوابة الوسط)