Atwasat

ذبح الشرقاوي وتفتيت «الوحدة» الوطنية

أوسمان بن ساسي الإثنين 08 يونيو 2015, 10:42 صباحا
أوسمان بن ساسي

وسط صيحات المُكَبِرين وترديد الجملة المعهودة «باقية وتتمدد» دخلت سيارة بيضاء دفع رباعي فِناء مسجد العتيق بمدينة درنة، وكان في انتظارها جمع من عناصر تنظيم «داعش» الملثمين وغير الملثمين لحراسة عملية الذبح.

حضر المجزرة عدد من المواطنين الذين قدموا للفرجة ومعهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشر! هؤلاء الصبية شاهدوا ذبح عبد النبي الشرقاوي الذي أُلبس اللون البرتقالي!، بل شاهدوا رأسه المفصول عن جسده يمسك به سفاح التنظيم في درنة متباهيًا بما أنجز.

بعد صلاة العصر يوم الأربعاء الماضي ذُبح الشرقاوي كما تذبح الشاة، بعد أن وجهت له تهمة التجسس! أثناء أسره في رأس الهلال.

هذه العملية التي قام بها أحد عناصر التنظيم لم تكن الأولى في ليبيا ولن تكون الأخيرة لو لم يتم القضاء على وجود هذا الوباء المدمر، خصوصًا الآن بعد السيطرة على بلدة هراوة بالإضافة إلى النوفلية وسرت، وامتلاك التنظيم رقعة كبيرة من المنطقة الوسطى القريبة من الهلال النفطي، ما يزيد من مخاوف دخوله وسيطرته على الحقول النفطية (السدرة) بمساعدة عناصره في الجنوب، ولكن ربما لن تسمح قبيلة أولاد سليمان في المنطقة الجنوبية بحدوث هذا بسبب الرابطة القبلية التي تجمعهم مع غالبية أهالي بلدة هراوة، ربما لن يتخلوا عن أبناء عمومتهم كما فعل غيرهم.

فأهالي هراوة وجدوا أنفسهم في العراء بمفردهم يواجهون مصيرهم أمام «داعش»، بعد انسحاب كتيبتين كانتا مساندتين لـ «الكتيبة 166» في سرت، وسواء كان الانسحاب بسبب قلة الدعم أو للضغط على صلاح بادي ليسحب قواته من حربها ضد الزنتان، النتيجة كانت تسليم هراوة للتنظيم على طبق من فضة، ومساعدة مجانية له في تنفيذ مبدئه في البقاء والتمدد.

وجود الكراغلة والأمازيغ والعرب وكل الأطياف في ليبيا ليست كروتًا للعب أو الاستغلال فالليبيون جميعهم في سفينة واحدة

ربما (الاستراتيجي) الذي يرسم تحركات قوات «فجر ليبيا» ويأمرهم بالانسحاب أو التقدم والتمركز لديه حسابات خارجية وداخلية! ولم يضع في حساباته أن الخطوات الخاطئة وقت الحرب على الإرهاب ثمنها سقوط مناطق وبلدات ومدن وتقطيع لأوصال دول، كما أن نتيجته قطع رؤوس الليبيين كل يوم.

لن تنجح مهمة حكومة الوفاق المقبلة إلا إذا جرى التمسك فعليًا على الأرض بالوحدة الوطنية ومواجهة الإرهاب بعيدًا عن الحسابات السياسية، ودفاعًا عن ليبيا كوطن غير قابل للتجزئة أو التقسيم أو السماح لإحدى دول الجوار الداعمة للإخوان المسلمين بأن تمرر فكرة التفرقة (فرق تسد) بين العرب والأمازيغ غرب البلاد، أو محاولة تصوير الخلاف في مصراتة على أنه بين العرب (الأهالي) والكراغلة.

هذه الدولة تتهم أمازيغ ليبيا بأن لديهم أجندة وتتواصل بشكل غير رسمي مع أحد تشكيلات «فجر ليبيا» محاولة إقناعه بوقف الاشتباك مع كتائب الزنتان غربًا حتى لا تكسر شوكتهم ويتم التصدي للمخطط المزعوم! وهناك من انطلت عليه هذه الخدعة، في الوقت الذي يجب أن يتوقف الاقتتال لأسباب وطنية بحثة لا علاقة لها بالخارج.

من المعلوم أن الدول تعمل وفقًا لمصالحها ولا تتعامل مع أحد من منطلق الخوف عليه، من السذاجة أن نعتقد غير ذلك، لو رجعنا بالذاكرة إلى العام الماضي لوجدنا أن قوات «فجر ليبيا» تشكلت من المنطقتين الوسطى والغربية ولم تبنَ على أساس العرق بدليل تكونها من كراغلة وعرب وأمازيغ، وغزت العاصمة لأهداف سياسية بحتة، وهي بسط النفوذ في طرابلس والسيطرة عليها بعد إخراج القوات المحسوبة على الزنتان، وتسبب هذا الغزو في تفكك النسيج الاجتماعي وما زالت تعاني منه ليبيا حتى الآن، فمن غير المقبول أن يخلق انقسام آخر قد يقضي على ما تبقى من هذا النسيج، ولا سيما أنه سيكون هدية أخرى للإرهاب.

محاولة كسب أسهم سياسية على حساب قضية حقوقية لا يخدم مستقبل ليبيا وسيعيد تدوير الخلاف بشكل جديد، بيد أن منتسبي «فجر ليبيا» ومع اختلاف توجهاتهم أفسدوا الحياة السياسية، وأمامهم فرصة التكفير عن سيئاتهم، لا أن يتفننوا في خلق أسباب الشقاق.

ما زلنا نذكر تدمير مطار طرابلس الدولي وحرق خزانات الوقود وقتل المدنيين في سبيل السيطرة على الأرض، لذلك محاولة تلميع الصورة وادعاء حماية ليبيا لا يأتي بالتفاهم مع جنرالات دول جوار ليبيا! وإنما بدعم التوافق وتوحيد الصف مرة أخرى ضد الإرهاب والتدخلات الخارجية.

وجود الكراغلة والأمازيغ والعرب وكل الأطياف في ليبيا ليست كروتًا للعب أو الاستغلال، فالليبيون جميعهم في سفينة واحدة، والسعي لكسب المواقف وخلق توازنات جديدة بمحاولة الالتفاف على حقوقهم لإرضاء الخارج مسمار آخر يدق في نعش ليبيا.