Atwasat

إعادة تشكيل منتج!

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 29 أبريل 2015, 09:53 صباحا
محمد عقيلة العمامي

"المعارضة التي لا تتسامح مع(النقد) تعيد في النهاية إنتاج الشكل الديكتاتوري الذي تقاتل من أجله" هذا رأي قاله الشاعر أدونيس، ولكنني أقول أن المعارضة تعيد الشكل الديكتاتوري ليس في عدم التسامح مع النقد فقط، ولكنها تعيده، وبحدة أكثر، في عدم تسامحها مع الواقع بجوانبه كافة، خصوصا عندما يكون هذا الواقع منتجا تراكميا تواصل لأكثر من أربعة عقود، لدرجة أنه قسم الشعب إلى فئتين: إما راضخة-سلبا أو إيجابا- أو معارضة!

ولا أعتقد، أن من وجد الوسيلة لينفد برأسه- من دون حاجة أهله لرأسه!- لم يرحل ويعارض. بعد ثورة 17 فبرير رأينا نماذجَ متنوعة من هؤلاء المعارضين: فمنهم المعارضون الشرفاء الحقيقيون، الذين أثبتوا للعالم صدق مبادئهم، وقناعاتهم، ومنهم المدّعون الذين اتخذوا من شعارات المعارضة أقنعة سقطت بمجرد أن لمحوا فرص المناصب والثراء! ومنهم من غلب( تأدلجه ) انتماءه لوطنه؟ ومنهم من أحسسنا بمدى خيبتنا، وسذاجتنا، وسطحيتنا في معرفة معادن الناس!

أما البقية المكبلة، فلقد رضيت أن تواصل حياتها(متألفة) مع نظام ديكتاتوري، وفر لها(الرز) والأمن، لمن لم(ينتقد) القيادة التاريخية!

لست قريبا، ولا بعيدا، من التعرض للشكل الدكتاتوري، الذي قاتل الليبيون من أجل إسقاطه، ولا ممن قاتل، ولا مما حدث طوال السنوات الأربع الماضية. ولكن غايتي هي التنبيه: أن حوالي 90% من خريجي الجامعة، الذين درسوا أيام كانت الجامعة الليبية مفخرة لليبيين، بعدما أعلن الدكتور طه حسين أنها أفضل الجامعات العربية. والخريجون الذين أقصدهم يشملون حتى من درس فصلا واحدا في العهد الملكي، بمعني الذين التحقوا بكليات الجامعة منذ بدايتها حتي 1969م، لأنهم نالوا بالفعل تعليما حقيقيا قبل بدء"(سلاطة) المجتمع الجماهيري" وكانوا بالفعل مؤهلين، حتى أنهم تولوا إدارة البلاد، على الأقل، حتى بداية(العك) منذ كارثة خطاب زواره. منهم من واصل بعد ذلك كتكنوقراطي فقط، ومنهم من حفظ( الزمايطي) وزاد عليه! ومنهم من تغرب سواء في الخارج، أو في الداخل! فمن يقول: أن هذه الدفعات في مختلف المجالات لم تكتسب خبرة حقيقية في تأسيس دولة؟ وفي التفاوض، وفي فض المنازعات، وفي إنجاح أي حوار؟ ومن يستطيع أن يخبرني كم كفاءة منهم شاركت في حوارات ليون، التي عمت الشرق والغرب؟ صحيح أنني أعرف قلة منهم تعد على أصابع اليدين، شاركوا في هذه الحوارات، ولكن هناك خبرات عديدة، وفي المجالات كافة لم تشارك!

الحقيقة التي تتعين مواجهتها هي أن عددا هائلا من هذه الكفاءات أبعدهم قانون العزل السياسي، الذي سمع الليبيون أن مجلس النواب قد أوقفه، ولكنه للأسف مازال ينفذه! فما إن تحررت ليبيا من جبروت القذافي، حتى أخذت الاغتيالات في تفريغ البلاد من مئات من هذه القيادات، خصوصا العسكرية والأمنية، فيما فرغ قانون العزل السياسي آلافا من التكنوقراط المؤهلين! وعلى الرغم أن مجلس النواب أوقف، أو ألغى هذا القانون لم نسمع عن ترشيحه لمستشار واحد مؤهل من تلك الخبرات التي أبعدت لأسباب لم تعد تخفى على أحد !

الوقت ليس متأخرا لنعيد حساباتنا، ونلتفت يمينا ويسارا، لننتبه إلى خبرات متنوعة، من خريجي الجامعة، الذين أشرت إليهم، أو عدد من معاصريهم، قادرين بالفعل على المساهمة الحقيقية في خروجنا من مأزق تأسيس الدولة، كل ما نحتاجه هو شجاعة حقيقية لطرق أبوابهم وطلب مساعدتهم، من دون الإنصات إلى الخناسين بأنهم كانوا وزراء أو وكلاء، أو مستشارين في العهد الدكتاتوري! ذلك إن كنا نريد بالفعل تأسيس دولة!

ولنتذكر أن النظام الذي كبلنا أكثر من أربعة عقود، لم يطبق أي شكل من أشكال العزل السياسي، انتقى رؤوسا معدودة، وأقام لها مهزلة المحاكمات. سجن من اعتقد أنهم خطر على نظامه. أبعد الضباط كسفراء. وترك القيادات المهمة، خصوصا الأجهزة الأمنية تواصل عملها ودعمها وترك قياداتها تعمل كما كانت من قبل محتفظة بمستنداتها، وخبراتها ولم يبعد أحدا إلاّ بعدما أعد كوادره، ومع ذلك ترك الكثيرين منهم في مناصبهم حتى سقوط نظامه. فماذا حدث؟

قامت جماهيريته من دون حاجة لحوار الصخيرات، ولا الأمم المتحدة.. ولا السيد ليون! لم تطلق سوى رصاصات معدودة... وانفرد بنا! ويبدو أن انفراده أفضل بكثير من انفرادهم!! فعودوا! لأن العودة من منتصف طريق مشروع"إعادة تشكيل منتج" أفضل بكثير من إتمامه!