Atwasat

المُربعُ الأَمنيُ الجديد! [الفساد– داعش– الحرب– الحوار]

أحمد الفيتوري الأحد 19 أبريل 2015, 09:26 صباحا
أحمد الفيتوري

• الفسادُ كصباحِ الخير
عملتُ في مطلع سبعينيات القرن الماضي كمُحرر في قسم الأخبار في الإذاعة الليبية ببنغازي، وكان النظامُ الفاشي حينها مهووسا ببرقيات التأييد التي تذاع في نشرة الأخبار بشكلٍ مطولٍ، وممللٍ ومكرور بعد خطب وأخبار الأخ العقيد، لاحظت أن برقيات وبيانات التأييد التي تصلنا تباعا ويوميا وصُبحاً مساءً هي بخط اليد، وأن الخط خط واحد رديء، ويظهر أن الكاتب أو الناسخ فقيهُ جامع هذا ما يشي به الخط، حين تساءلت نصحني رئيس القسم أن أهتم بشئوني، حينما لم أنصع استدعيتُ من الأمن، قيل لي أني مطلوب من الأمن الخارجي، وأنه عليَّ الذهاب إلى المربع الأمني الأول، عرفتُ فيما بعد أن المدينة والبلاد مقسمة لمربعات أمنية، في المربع الأمني الأول حُقق معي بدواعي أني أنشر في داخل قسم الأخبار الشكوك حول الثورة وقيادتها، اتضح أن لرئيسِ قسم الأخبار رتبة عالية بالأمن الخارجي بدليل التنفيذ السريع لأوامره بأن يتم إخراسي.

تذكرتُ هذا وأنا مُحاصر بشبكةٍ عنكبوتية من المعلومات التي لا تُسمن ولا تغنى من جوع، وهي كما مربعٌ أمني ينهكك باستمرار بالمستجد من الأخبار التي هي تفريغ للعقل بالمكرر والتفاصيل التي لا معنى لها، شبكة الخلاص منها يعني المزيد من التورط فيها. وهذا ذكرني بشيوع تعبير أيام الطاغية كان يرددهُ الليبيون وحتى من جماعة الطاغية:"تحب تفهم تدوخ"، والآن زاد الطين بلة.

• داعش من بغداد إلى بنغازي حرب بالوكالة:
انتفاضة التاريخ التي تجرى في شوارع بنغازي هكذا أطلقتْ الصحفية الشابة جملتها عما يحدث في بنغازي فبراير 2011 م، هذه الشابة الفرنسية مارى– لي لوبرانو التي لم تعرف الصحافة إلا في شوارع بنغازي تابعت ساعات الثورة الليبية الأولى باندهاش بان في كتابها"تاكسي إلى بنغازي" الصادر في باريس عام 2012م بالفرنسية ومترجما للعربية عن دار الفرجاني في طبعته الأولى 2013عام، وهو كتاب كتب بروح نثرية شعرية في صيغة صحفية طازجة، وحارة منحازة لمن تكتب عنهم، مارى تقول:"إنها المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها لاجئين يُشفقون على صحفيين؛ إذ ما يحدث في العادة هو العكس، ما هذا البلد الغريب.."، ساعتها كان أهل المدينة يفرون من رتل القذافي الشهير دوليا، وكانت المقاومة تتم بالأظافر حتى صدر القرار الدولي بحماية المدنيين.

السلام، هكذا قال مبتسما عندما مرَ بجانبنا. ظللتُ فاغرة فمي أمام هذا الجار السريالي، وأرسلتُ نظرة تساؤل إلى بشير

مارى ترقن أحرف الحاسوب:[السلام، هكذا قال مبتسما عندما مرَ بجانبنا. ظللتُ فاغرة فمي أمام هذا الجار السريالي، وأرسلتُ نظرة تساؤل إلى بشير، الذي أشار بحركة من رأسه:" لا " بدا بوضوح أن الرجل ليس جنديا، لكنه يُجيد استخدام القاذف والمدفع، لاحظ أنني أنظر إليه مُتعجبة، فذهب ضاحكا، ثم رجع نحوي ومد لي قنينة مائه. قلت في نفسي، وأنا أمتص القنينة:رائع " الطالباني يحبني جيدا". سألت، بمجرد ابتعاده عنا أحد المُقاتلين: من أين جاء هذا الشخص؟ قال مُتذمرا: من أفغانستان، قلت: أهو أفغاني؟ ، أجاب: لا، ربما يكون ليبياً، لكنه، بالتأكيد، ليس من الجيش. ليبي قادم من أفغانستان .... ، بدأت أدركُ أننا لا نختار مع من نقاتل في الحرب، وأنه يمكن لكل من يريد أن يأتي إلى ساحة المعركة، أن يأتي، فكل من يؤمنون بعدالة القضية،" بل وكل مغامر "، يمكن أن يلتقوا، في اللحظة عينها، تحت الرصاص نفسه، من ناحية أخرى لا يعني أن إيمانهم بعدالة القضية نابعٌ من الأسباب نفسها، لكن هذا هو الموجود، فلا خيار أمامهم سوى النصر أو الهزيمة.". ].

• الحربُ عبث وهذه الحربُ العبث بذاته!
اليوم أثناء الكتابة علق مُتحدثٌ في محطة تلفزيونية أن النظام العراقي أعلن استرجاعه لمحطة تكرير النفط"بيجى" للمرة الثالثة والعشرين، ووزير الدفاع الأمريكي صرح أن داعش احتلت المحطة لكن المحطة لن يطالها التخريب فهي في صون وعرض داعش، وتجتاح النشرات الإخبارية دون خجل أخبار عن طائرات مجهولة تقصف هذه المدينة أو تلك، في البقعة الممتدة من بغداد حتى طرابلس الغرب، وتصريحات للمسئولين الأمريكيين أقل رُتبة فيهم الرئيس أوباما: أن الحرب ضد داعش ستطول وأنها يمكن أن تجتاز العقد من الزمان أي لعقود، أما أرقام ضحايا هذه الحرب المُمتدة في قارتين فتجتاز الحصر، حيث تبدو الأرقام كما لعبةُ مكعبات، ومع اضطراد الحرب يتم باضطراد هبوط ثمن النفط في رسم بياني مُخيف دون أن يرف جفن أحد، وتُستخدم في هذه الحرب العالمية ضد الإرهاب أنوع من السلاح إليكترونية مُطورة حتى النخاع، وتجرب للمرة الأولي أيضا دون خبر ولا تعليق، حرب فيها المعلومات تعني أن لا تعرف شيئا وهي حرب لا غالب فيها ولا مغلوب، وكلها محطتها الشرق الأوسط لكن هذه المرة إسرائيل لا تقع في هذا الشرق الأوسط، وهكذا بدايات مُستمرة في فيلم طويل دون نهاية متوقعة.

• الحوارُ حربُ كلام
استقال السيد المغربي جمال بنعمر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن من مهمته، بعد جولات ماراثونية في قيادة الحوار الوطني اليمني ما انقلب إلى حربٍ إقليمية، وكأن الاستقالة تعبيرٌ عن إنجاز المهمة التي حرص أن تطول وتمتد رقعتها في منطقة الخليج، وهكذا الحوار الوطني كان حرباً كلامية تمهد للحرب المهمة الجديدة للأمم المتحدة، في ليبيا مهمة السيد برناردينو ليون أن تترادف حرب الكلام محاذية لحرب فيها إطلاق النار مطلوب، ولا أحد يطرح أن المهمة الأولى للحوار الوطني هي إيقاف إطلاق النار، وليون كما بنعمر حريص أن يطول الحوار في هذرٍ وهدرٍ للطاقة في ماراثون كلامي في عواصم عدة، ويتميزُ الحوار الوطني الليبي الذي يقوده ليون بأن الحرب قائمة في معارك تمتد على مسافةٍ تجتاز المليون كم، وهو كما يقود حرب الكلام"الحوار الوطني" يقود المعارك العسكرية حينا بالشجب وحينا بالقلق.

• تعليقٌ مُقتضبٌ على ما يحدُث
إن المربع الأمني الجديد تقودهُ الأمم المتحدة سلميا، والولايات المتحدة حربياً، وهو كما(ويندوز) نوافذ تطلع من أحدها لتدخل غيرها، متاهة كلعبة لا تنتهي فاللاعبون يؤدون أدوارا ارتجالية بسيناريو لفيلم المؤلف والمخرج لا يعرفان نهاية له كما لم يكونا يعرفان البداية: الربيع العربي.

وكما اعتاد العربُ قبل على عقودٍ من الفاشية والحروب الصغيرة سيعتادون على عملية التخريب التي طالت الربيع العربي من أجل"خرفنته" أي جعله خريفا، لكن هل توقعَ أحدٌ ما حدثَ ليتوقع ما سيحدُث.