Atwasat

الحمدُ لله لم يُعلقْ أحدْ!

أحمد الفيتوري الأحد 12 أبريل 2015, 10:11 صباحا
أحمد الفيتوري

فنُ السياسةِ يتعلقُ بالعملِ بقرب الحافة قَدر الإمكان، ولكن من دون أن نخطوَ إلى حافةِ الهاوية -أو كما جاء في كتاب انتقام الجغرافيا – روبرت كابلان – عالم المعرفة يناير 2015.

مُكبر صوتٍ لجماهيرَ غفورة كان يصدحُ في ممرٍ ضيقٍ به عدد من الزنزانات في سجن بوسليم بطرابلس الغرب، وُضع هذا المصداح لغرض تعذيبنا حيثما شاءت إدارة السجن، حينها في ثمانينيات القرن الماضي عند ظهيرة يوم لا طعم له، كان مذيعُ إذاعة"نص الليل"، كما يُكني الليبيون إذاعة"صوت الوطن العربي الكبير صوت اللجان الثورية"، كان المذيعُ يقرأ مقالةً هي عبارة عن افتتاحية صحيفة الزحف الأخضر– الصحيفة الرسمية للجان الثورية– وكان يُشاع أن كاتب الافتتاحيات هو القائد المعلم والمُفكر الثائر معمر القذافي نفسه!.

كان المقال المقروء بعنوان"دعوة ملحة لتشكيل حزب"، والمُحتوى يكثفه العنوان، كنا قد اعتُقلنا وصدر ضدنا حكم بالإعدام ثم خُفف للمؤبد، بدعوى أننا حزبيون وندعو لتشكيل أحزاب مما يُعد عندئذ خيانةً عُظمى للمجتمع الجماهيري، رَجَّ المقالُ الزنزانات واعتبرناه مؤشرا لمُتغير نوعي في خطاب الديكتاتور القذافي، وإن كان حقا فقد ينتجُ عنهُ الافراج عنا، وكنا كما يقول المثل"مشنوق وباله في الحلوى". ولم يطُل انتظارُنا إلا وقد نشرت الصحيفة– وتُقرأ عبر نفس الإذاعة– مقالةً ثانيةً بعنوان:"الحمد لله لم يسجل أحد"، وهو كما الربيع من فم الباب يبان، فالمقالة تُلخصُ أن لا أحدَ سجل حزبا و لا طالبَ بإنشاءِ حزبٍ أيا كان.

مُلخص القول أنني في مقالتي الماضية– بـ"بوابة الوسط" - المعنونة بـ "عند حافة الهاوية: لزوم ما يلزم حوار التيار الوطني" كتبتُ ما مُلخصه: التوكيد على ضرورة أن يُوحد التيار الوطني صفوفهُ ومهامهُ وأهدافه في هذه المرحلة الفائقة الخطورة، واقترحتُ السبيل إلى ذلك بأن تَعقِد قيادات هذا التيار حواراً مُمكن أن ينطلق ثُنائيا أو ثُلاثيا ومن ثم التنسيق للقاء شامل، وأشرتُ إلى أن المهاترات التي تعُم الحال والأحوال لا يمكن اجتيازها إلا عبر الحوار، وما وجدتُ لدعوتي في مقالي حتى التعليق، وهذا يعنى أن لا أحد يلزمُهُ ما يلزم، وأن ثمةَ إجماع في عدم إلزامي بأي تحصيلٍ خائب قبل الناجح، وهكذا كفى الله المؤمنين شر القتال.

الليبيون في عجلة من أمرهم، أنتم لم تصلوا بعد إلى حال الصومال

نحن بحاجة حتى الآن للزومِ ما لا يلزم من الانفراد والتفرد، وإعطاء كل صائبة الظهر، نحن لم نجتز بعد مرحلة طفولةِ الشعوب التي لا بد أن تتذوق النار، أو كما قال المندوبُ البريطاني لليبيا في جلسة خاصة مع الاستاذين محمود شمام وفتحي البعجة: الليبيون في عجلة من أمرهم، أنتم لم تصلوا بعد إلى حال الصومال، علق البعجة مُحتجا: كم تريدون من الضحايا حتى تُحلَ العُقدة الليبية؟، ومن جهتي أوجه نفس السؤال لفتحي البعجة ومن خلاله للتيار الوطني: كم تُريدون من الضحايا حتى تُحل عقدة التيار الوطني الليبي، الذي يعيشُ في حروب صغيرة تتشظى ويتشظي معها؟.

• الصابري عرجون الفل للمرة الألف
نشرت"بوابة الوسط" الأسبوع الماضي صورا جديدة لنتائج معركة الصابري في مدينة بنغازي، الحرب التي طال مداها، وتوضح الصور حالة تقطع الافئدة حتى أفئدة العدو، ولم تلق الصور أي تعليق كأنما لسان حال بقية الليبيين:"اللى ما فيك ما تهمك".

الصور التي ترصد الدمار تكشف دمار النفوس أيضا عند الكثير من أبناء الوطن، تكشف عن تشظي الروح وانتشار وباء الخلاص الفردي، فباتت هذه النفوس المريضة تمجد الماضي القريب في مواجهة مُمجدي الماضي البعيد، تُمجد فاشية غاربة عن فاشية قائمة ، وطال التشرذم الكُثر، ولم نجد حتى صيغة التعاطف الإنساني في حدهِ الأدنى، بل العكس كأنما ما تبينهُ الصور يُفسد عليهم أفراحهم، ويُنكل برومانتيكيتهم، ويجعلها أتراحا، دبجت الكتابات في ذلك ونشرت مقالات وبوستات بالفيس بوك، الصابري عرجون الفُل كما مرآة، صورهُ فاضحة للحال المُزري الذي وقعت فيه البلاد فقد بات صمودهُ ومقاومتهُ وما يواجهه كما أمر مُخجل، وهذا هروبٌ إلى الأمام من المُواجهة المحتُومة التي فرضها التيار الفاشي المُتدثر بالإسلام وحلفاؤه من لصوص وقتلة نظام القذافي.

والصور تُبين أن المصير الذي آلتْ إليه الأمور كان مُبيتا– ومُتوقعا على الأقل حسبما ما جاء في الكتاب الأخضر من تهديد، أن بعد سقوط الجماهيرية ستعم الفوضى، وحتى حسبما جاء به المبشر بالديمقراطية سيف الإسلام معمر القذافي، حين رفع اصبعه مهددا الليبيين في اللحظات الأولى لثورة فبراير، وما يفعله الإسلام السياسي في البلاد وكل بلاد هو إعادة إنتاج للأنظمة الفاشية التي دخل معها في تحالفات وفي صراعات من أجل السلطة، والصابري هذا الحي في مدينة بنغازي صورة مُكثفة للثمن الذي يُدفع، سوى رضينا بالضيم فينا ولم نرض بحتف النفوس فينا أو.... وفي المحصلة سندفع الثمن مضاعفا بفضل هذا التشرذم الحريص عليه التيار الوطني وخاصة قادته.

• مجلسُ إعمار ليبيا
لنتخذ من إعمار ليبيا هدفاً يجمعُ شتاتنا ومسألةً نحرصُ على أن تكون من مسائل خارطة الطريق الآن وهنا، والإعمار عادةً يُهدئ النفوس ويمنح البشر الطُمأنينة والانتماء للمستقبل، وإعمار ليبيا علينا أن نعمل على أن يكون مشروعاً دولياً تتبناهُ المُنظماتُ الدولية والدولُ الراعية للحوار الوطني والداعية له والحريصة عليه، والإعمار كمشروع على هذا المستوى فرض عين على جميع الحريصين على الاستقرار ومواجهة الإرهاب في المنطقة، ولن يكون ذا جدوى دون أن يكون مهمة هؤلاء ومسئوليتهم لأن ذلك يعنى أن السلام استراتيجية، ولا سلام دون إعمار، ويمكن أن يكون إنشاء مجلس لأعمار ليبيا مشروعاً من أجل توحيد صف التيار الوطني الذي من مهامهِ الأساس المُستقبل، وهو المعني أولا وأخيراً بمستقبل الوطن لأنه ينتمي إليه. وللحديثِ عودةٌ مُوسعة.