Atwasat

عند حافةِ الهاوية (من لُزومِ ما يلزم: حوارُ التيارِ الوطني)

أحمد الفيتوري الأحد 05 أبريل 2015, 11:11 صباحا
أحمد الفيتوري

فنُ السياسةِ يتعلقُ بالعملِ بقرب الحافة قَدر الإمكان، ولكن من دون أن نخطوَ إلى حافةِ الهاوية- أو كما جاء في كتاب انتقام الجغرافيا– روبرت كابلان– عالم المعرفة يناير 2015 م.

حين كُنا نُعدُ للقاءِ (ليبيا الوطن) خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، كنا كلجنةٍ تحضيرية نلتقي شخصياتٍ وطنيةً مُتعددة يجمع بينها ثوابت تبدو راسخة وموضوعية، لكن كثيرًا ممن قابلنا يطرحون أن مشكلتهم مع فلان أو علان، وعليه هو لن يشارك في اللقاء لأن فلانا وراء هذا اللقاء أو أن علانا مُشارك، وهكذا يتم نسف تلكم الثوابت من خلال ربطها بمشكلٍ ذاتي، في المحصلة وجدنا أن التيار الوطني من يُظهر أن ثوابتهُ واحدة هو ليس كذلك، ومن هنا كان حرصنا على عقد اللقاء.

التيارَ الوطني الذي له ثوابتهُ الوطنية الديمقراطية لبناء الدولة المدنية وصوغ دستور يكفل التعدد والفصل بين السلطات

قبل الاسترسال لا بد من توضيح، أن التيارَ الوطني الذي له ثوابتهُ الوطنية الديمقراطية لبناء الدولة المدنية وصوغ دستور يكفل التعدد والفصل بين السلطات، وهو تيار يضم قوى مختلفة التوجهات الفكرية والسياسية بضرورة الحال، وأنه حريص على تنوعها هذا واختلافها، ومن هذا يقبل بالآخر لأنه يبرر وجوده، وأنه قوى ضد الاقصاء ومع الصندوق وما يريد الشعب، ومن عمله فرز شخصيات قيادية بارزة، وفي هذا كله خلافه مع القوى الفاشية التي ديدنها السمع والطاعة، وهي قوى بنيوياً ترفضُ الاختلاف وهذا ما يُعلل تماسكها الدوغمائي الطابع.

والتيار الوطني الآن ممسك في جانب بالسلطة الشرعية والمعترف بها دوليا، ونجح عبر كل الانتخابات التي خيضت في البلاد في الحصول على أعلى نسبة من الأصوات على عكس ما حدث في مصر وتونس، ويتمثل هذا التيار في:
1- أغلبية أعضاء مجلس النواب.

2- الحكومة المؤقتة الحالية التي يرأسها عبد الله الثني.

3- الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر.

4- الأحزاب والمنظمات السياسية الوطنية ومنها من لها ممثلون في البرلمان وفي الحكومة.

5- منظمات في المجتمع المدني، وقيادات بارزة في المجتمع والإعلام والثقافة، وكتاب وأساتذة جامعة بارزون عربيا ودوليا.

وهكذا هو التيار الواسع مجتمعيًا والفاعل سياسيًّا، وقد كان لقاء ليبيا الوطن محاولة أولي لتبيين ذلك، وبأن هذه القوى الفاعلة تتسم بالتشتت وأنها لم تعمل من أجل حوار وطني موسع على مستوى قاعدة التيار وعلى مستوى قياداته. الآن مرَ وقت على ذلك اللقاء، وكأنما كان اللقاء لتكثيفِ هذا المُشكل، حيث وجدنا عراكاً ظهر عبر وسائل الإعلام بين السيد رئيس الوزراء عبد الله الثني وأطراف من التحالف الوطني، وهو ليس الأول ولا الأخير بين أطراف من التيار الوطني الليبي، ولكنه مجرد إضافة لمشهد سمتهُ التمزق والتناحر الشخصيين، وخطورته أنه يزيدُ الوضع الليبي بلّة، وأعتقد أنه سيجعل ماء الحوار الوطني نارًا مما يؤججُ نار الحرب، وهو يكشف عن انقسامات في طرف التيار الوطني، وبالتالي يكشف عن أن الشكوى من تأسدِ الطرف الأخر في الحوار الوطني وانحيازِ الأمم المتحدة، مجرد عذر لدرء أن العيب فينا.

ما يُخاض الآن مجرد حروب صغيرة وليس اختلافًا في الرأي أو الرؤية، وهي مسائل لم تُخرجنا منها الحرب الأهلية

التيار الوطني الليبي من تشظيه أن ما يحققه من مكاسبَ في الشارع يفقدُها على الطاولة، فيكون من مُخرجات مكاسبه التناحر، وبعض شخصيات وقيادات ذا التيار تتسمُ باللا ديمقراطية، وتُبالغ في اعتدادها بذاتها ما يجعلها لا موضوعية في تقديراتها وتقويمها للأشخاص وللحال، وهذا يجعل ثوابتها في مهب الريح، ويعاني الكثير من قادة التيار من صلة قد تكون عدائية مع المعرفة والثقافة، وتُساهم هذه العيوب الذاتية في جعلها تخوض حروباً صغيرة وتقدم المهم على الأهم، ومنها أن الحروب تخاض حول الكعكة (المناصب)، والموت يدق الأبواب عبر الاقتتال على الأرض والاغتيالات والخطف.

ومن هذا ما يُخاض الآن مجرد حروب صغيرة وليس اختلافًا في الرأي أو الرؤية، هي مسائل كما أسلفنا لم تُخرجنا منها الحرب الأهلية – كما كل حرب مماثلة- بل علها أججتها فصار الحال كالهاربِ من الرمضاء إلى النار، وعله الخور والعجز وقلة الحيلة، وهذا يستنزف الجهد والوقت والمال ويعطب العقل ويشله، ويجعل التيار الوطني في الحافة وليس عندها فحسب، فتوهن القوى ولا نرى غير ما يعيب الأشخاص منا والمسار، فنتخذُ مسلكَ الخلاف بدل الاختلاف فنكون خصوماً لبعضنا البعض، يبدو الكلام كالإنشاء لكن الحقائقَ فاجرة ولا تتحذلق، وما من مخرج غير الحوار، كما المسألة الوطنية ليس لها غير الحوار الوطني فإن التيار الوطني أولى بذلك، والحوار مسلكٌ ديمقراطي ووحيد ودائم ودون كلل ولا منٍّ، على قيادات التيار الوطني أن تجلس على طاولة وأن تبتعد عن مسلك الفرار إلى الأمام، لا بد من عقد اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية حتى عقد لقاء يجمعها دون إقصاء ولا شروط، طاولة مستديرة تجمع قادة التيار الوطني كي تُنهي خلافاتها، وتوكد على اختلافها للخروج من المأزق ما أوقعت نفسها فيه، وإن لم نفلح مباشرة، فإن القيادة الحكيمة تستعين بكل السبل ومنها شخصيات محايدة ليبية أو عربية لأجل الجمع بين فرقاء هذا التيار ما تضيعه المُهاترات، وهذا التيار يمتلك شخصيات وقدرات بإمكانها فعل ذلك إذا ما توفر تفاؤلُ الإرادة وتشاؤمُ العقل أو كما يُقال.