Atwasat

ترهل سياسي

رافد علي الخميس 27 أكتوبر 2022, 09:42 صباحا
رافد علي

كشفت كلمة الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبدالله باتيلي، الاثنين الماضي أنه «لا يبدو أن هناك إجراءات ملموسة لإجراء الانتخابات»، الشيء الذي يكشف النقاب عن عبثية خطابات وتصريحات ساسة البلاد، طول المدة السابقة، حول إصرارهم لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال. فباتيلي في إحاطته الأولى لمجلس الأمن، والتي جاءت بعد أسابيع من تنصيبه، لم يخفِ انطباعه السلبي حول جدية أربابنا للخروج من النفق المظلم والمتوج بانسداد سياسي طال مداه.

لقد بات واضحا الآن أن التبجح السياسي بالتمسك بالانتخابات وإجرائها على مدى أشهر الانسداد السياسي بين الخصوم يجعل من مصداقيتهم اليوم على المحك، فكل من تغنى مصرحا بضرورة إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، تبين أنه يسخر من حالة الانتظار الكئيب الذي تعيشه الناس، وهذا الوضع بدوره يطرح السؤال عن جدوى لقاءات ساستنا المستمرة خارج البلاد، وعن مدى جدية ما يتناولونه من تفاصيل طالما أن البدائل التفاوضية الناجعة كانت هي الغائبة دائما، وأن كل ما جرى من أحداث وعُقد من اجتماعات ما هو إلا مماطلات ساسة أمام أي متابع. ساسة الانسداد وأربابه أمام تصريحات دولية كالتي تفضل بها باتيلي، بعيدا عن لغة الدبلوماسية، تحشرهم جميعا في خانة ممارسة التأزيم واستدامة الفوضى في بلاد ما زال شعبها ونخبها يمارسان فضيحة الصمت أمام فظائع المجون.

لقد استخدم المحللون والمراقبون للشأن الليبي جملا عديدة ترمي أصحاب فرض الأمر الواقع بشبهات سياسية كإطالة عمر الأزمة الليبية حفاظا على مراكز أربابها في كراسيهم، بكل ما في المشهد من فساد وغفلة وبطلان، إلا أنها كانت غالبا اجتهادات تصب في خانة كفاءات التحليل والمتابعة وتسجيل انطباعات وإبداء آراء شخصية في قراءة للمشهد الليبي، إلا أن كلمة الإحاطة الاثنين الماضي ارتقت بأفكار وآراء كهذه لمستوى النعت بالتسيب السياسي حيال إخراج وطن من حضيض أزمة بمختنقات مفتعلة. بعيدا عن لغة الدبلوماسية الهادئة في الإحاطة المذكورة، أصبح جليا أننا برجالات الخصومة الليبية، لم نتجاوز بعد المربع الأول من فبراير لانعدام أي عملية سياسية على الأرض، وأن كل ما نحن فيه مع هذه الوجوه والأسماء ما هو إلا حالة ترهل سياسي.

الترهل السياسي الليبي الآن بكل جدلية الشرعية المخطوفة فيه، وفقدان الوزن بسبب ترويج الأوهام بوطن مستقر ومحترم لا يمكن النظر إليه اليوم إلا كحالة تمعش مفضوح بسبب انعدام طموح حقيقي وإرادة سياسية ساعية بصدق وأمانة لـ «إعادة الأمانة للشعب» أو بدعم الناس بـ «تملك زمام المبادرة لرسم خارطة طريقها دون نيابة أو وصاية».

لم يعد من مجال للتعويل على أي مصداقية سياسية موجودة بهذه البلاد الشاسعة، طالما أن القدرة على تقديم تنازل فعلي لخلاصنا بات مبهما جدا للعبور لضفة آمنة ومستقرة. فالترهل السياسي الراهن لا تنفع فيه أي عملية تجميل، بل بات مستحقا الآن الدفع بدماء جديدة، واعية، وعازمة على خلق شيء، فالسياسة أرض الممكن، والحرب مواطن المستحيل، فالرياضة المفاجئة للبدن المترهل ستصيبه بالسكتة القلبية، والرضا بالبدانة وهم البليد بالعافية. فلنعلم علم اليقين أن عصر ما بعد الحداثة أثبت أن حروب النيابة تملأ الكوكب، وهي فقيرة جدا في ثمارها وطنيا، وأن اللجوء للمرتزقة هو أبشع وسائل الحروب التقليدية بمحاذيرها الخاصة حسب دروس التاريخ.