Atwasat

في تأبين نازح من وسط البلاد

محمود النواع الأربعاء 19 أكتوبر 2022, 09:45 مساء
محمود النواع

الجار والصديق الطيب، فيصل النعاس، رحمة الله عليك...

إننا نعلم أن للتأبين قوائم خاصة من المرموقين، يخصهم به مجتمع مدني الخمس نجوم، ومتصدري المشهد العالي والواطي، ولا تضم النازحين الغلابة الذين أنت منهم!

وأعلم أن منطقة وسط البلاد، التي سكنتها وسكنتك، والتي ما زالت مدمرة من آثار الحرب، على شكل ركام، ومستنقعات مجارٍ، وأكوام من القمامة، وتجمعات لقطائع من الكلاب الضالة، وانتشار للقوارض والحشرات، بها مقامات خاصة، تمت إعادة صيانتها وترميمها من قبل صندوق الدعم التابع للأمم المتحدة ولجنة عودة استقرار بنغازي وجهات أخرى بإيعاز من متصدري مشهد الدولة والبلدية، وخصصت لزيارات مرموقي الدولة وضيوفها، وهي: ضريح شيخ الشهداء، وبيت الكيخيا الثقافي، ومبنى المجلس التشريعي، والكنيسة، والتي فرحنا معهم بعودتها ورحبنا بها، رغم أننا نعرف أنها قد صرفت عليها مبالغ كبيرة لا نعلمها، ولكن نعي حقيقة أنها كانت قادرة على حل مشكلتك، ومشاكل كثير من النازحين الذين عادوا بعد خمس سنوات، دون أدنى نظرة لهم ولبيوتهم المدمرة!

صديقي الطيب، رحمك الله، وغفر لك، وتقبلك...
نعلم، ويعلم الجميع، أن خسارتك الكبيرة، وصدمتك الكبرى، كانت في فقدك لبيتك المتميز، الذي سوته الحرب بالأرض تماماً، بكامل محتوياته، والذي كان من الفخامة بموقعه في وسط البلاد، حيث يزين موقعه تقاطع شارعي الشويخات/ سوق الحشيش، جهة جامع الشويخات، ويحتل مساحة تطل على الشارعين في شكل محلات استثمارية ببناء حديث متميز، مستغل كأكبر محل لبيع المستلزمات المنزلية من قبل مستأجر، والتي كانت مصدر رزق واسع لكم، ويعلوها بيتك الجميل حديث البناء....

شعرنا معك، كل الأصدقاء والجيران، عدا متصدري المشهد وعوالتهم، بهول الصدمة عليك، ولكن ما باليد حيلة، ولا مرد لقضاء الله. فكثير من البيوت بالمنطقة سويت بنفس طريقة بيتك، وصدم أهلها، بل وتعرضوا لجلطات أفقدتهم الحياة، دون أدنى شعور بهم وبأزمتهم من الجهات المختصة...
صديقنا العزيز، ألف رحمة عليك...

أعلم – والله- أن كل الجيران والأصدقاء يذكرونك بكل خير، على طيبة قلبك، وأخلاقك، وحسن معاملتك، ويدعون لك، وهي الزاد الذي ارتقيت به لله سبحانه وتعالى...

علمنا أن فقدك لبيتك الذي يؤويك أنت وابنك الوحيد، والذي هو مصدر رزقك الوحيد، جعلك جوالاً بين الأقارب. وأصابتك الصدمة بأمراض عضال عانيتها حتى أدخلتك المستشفى ولقيت ربك...

نسأل الله لك الرحمة والمغفرة، فأنت بين يدي رب عادل، سينصفك ممن صرفوا أموال الدولة على الحجر قبل البشر، دون النظر إلى الصدمات التي قادتكم إلى الموت، من الجميع، بداية من سيادة عميد البلدية ومجلسه الموقر، إلى لجنة الاستقرار ومن حولها، إلى الدولة بكل هياكلها، برغم ما صرفوه من مليارات.

أموال طائلة صرفت، كان هامش بسيط منها قادراً على حل أزمتكم، وتعويضكم بما تعيدون به بناء بيتكم، أنتم وكل النازحين الذين تجرعوا أربع سنوات نزوح، وخمس سنوات معاناة بعد العودة، وما زالوا إلى يومنا هذا يعانون شتى أنواع المآسي، والأموال تبدد بلا حسيب ولا رقيب ولا تدبير، ولا اعتبار للبشر قبل الحجر.
منحت لجنة الاستقرار لمدينة بنغازي ميزانية ضخمة بقرابة 2.2 مليار دينار، تم صرفها إلى الآن في شكل مشاريع، يحدد أولوياتها ويشرف عليها المجلس البلدي، واستثني منها وسط البلاد تماماً، وقالوا «موش شورنا، وسط البلاد يبي دولة»...

خرج علينا سيادة المحافظ في نهاية العام 2019م بخطة أسماها 2020 /364 يوماً، حدد فيها مبلغ 250 مليون دينار لعودة الاستقرار لمنطقة وسط البلاد: 70 مليوناً لإزالة الركام، و110 ملايين بنية تحتية، و70 مليوناً طواريء. فقط عودة استقرار، وليس إعمار. وهلل لها عميد البلدية، ودُعي سكان وسط البلاد والصابري لدعمها، واستقبلها الكل بترحاب فاق الخيال، وانتهت بوعود كاذبة لعدة فترات زمنية، لنتفاجأ بأن السيد العميد الذي يمنع قيام منطقة وسط البلاد قد صرفها كلها (250 مليوناً) على مشاريع خارج منطقة وسط البلاد، بمباركة السيد علي الحبري، رئيس لجنة عودة الاستقرار ومحافظ مصرف ليبيا المركزي بالشرق، وأوكل البلاد لصندوق الإعمار، تاركين سكان البلاد العائدين من النزوح وسط الركام والمجاري، في معاناة مع مأساتهم ليومنا هذا- لمدة أكثر من خمس سنوات حتى الآن بعد العودة!

أعلم يا صديقي، رحمة الله الواسعة عليك، أن صندوق الإعمار حديث الإنشاء الذى عولنا عليه كثيراً، وحسب تقرير ديوان المحاسبة، قد خصص له العام 2021 مبلغ 100 مليون دينار ليبي، صرف منها مبلغ 78 مليون دينار، لم ترَ منها أنت يا صديقي، ولا أي نازح، مليماً يعينكم على محنتكم، ويبدد همومكم، حتى في شكل خدمات بالمنطقة!
هل تعلم يا صديقي، ألف رحمة عليك، أن جل الفراغات بالمدينة قد استزرعت، وتحولت لحدائق لما تمثله من سهولة إنجاز، وأن أحياء خارج المخطط المعتمد، مدت لها طرق معبدة، إلا أنتم وشوارعكم وركامكم بوسط البلاد... الكل يبغض الصرف عليكم، أو النظر في أمركم!

صديقنا العزيز، ألف رحمة على روحك الطيبة، لقد صدم قبلكم جليسك بالمقهى المقابل لمسجد عبد الله عابد برأس اعبيده، الحاج فرج الدرسي، بعمر 83 عاماً، وهو أب لخمس بنات، بمرتب تقاعدي 450 ديناراً، حيث وجد بيته مدمراً. وفي ظل إهمال الدولة، بكل هيكلياتها، كانت صدمته كصدمتك، فقد أنهكه المرض من ذلة القلة، وهول الصدمة لفقد البيت ملكه الخاص ومكوناته، وخوفه على بناته، فخلد إلى المرض، وسبقكم إلى لقاء ربه... وكانت مشكلته تحل في إزالة عمارة مجاورة له مهدمة على بيته يحكمها قانون رقم (4) الذي علقوا عليه فشلهم، فالنهوض بمنطقة وسط البلاد وإعادة الحياة والإعمار إليها، ومازالت الكارثة تعانيها بناته إلى اليوم...!

ومازال هناك الآلاف يعانون نفس الألم والمأساة في صمت، ويرحلون في صمت: رافع زينوبة الذي مات يبيت بسيارته وهو مريض، فتخطفه الموت وجعاً، وترك أطفاله الصغار... وحمد بورقيد... والكثير من جيرانك يا صديقي هم رفاقك في الشكوى للملك الجبار، من هذا العسف الذي وضعتم به من قبل من تصدر المشهد، واستولى على المال العام، وحدد أوجه صرفه، وحرمكم منه... أنتم بالخصوص؛ النازحين، سكان وسط البلاد.

صديقنا العزيز، رحمكم الله... أنتم الآن بين يدي الملك الحق، رب العدل، وسينصفكم ممن ظلمكم وأكل حقوقكم وأهملكم... فنحن وهم لاحقون بكم قريباً دون شك... ولا يبقى في هذه الدنيا أحد، إلا وجهه الكريم. هذه سنته التي أتمنى أن يعرفها هؤلاء قبل رحيلهم ووقوفهم بين يدي الله، ويؤدوا حقوق الرعية قبل وقوفهم بين يدي جبار السماوات والأرض.

صديقنا... في يوم تأبينك بين الغلابة من فئتكم عبر هذه السطور البسيطة، التي لا ترقى للمرموقين وطرق تأبينهم وفشخرتهم، وطرق التباهي بها وإظهارها إعلامياً.... نقول لك بأنه يشهد لك أهلك وجيرانك وأصدقاؤك، دنيا وآخرة، بأنك كنت نعم الإنسان، ونعم الجار، ونعم الصديق، وبأنك عانيت معاناة أيما معاناة، شهدنا آثارها عليك، وعجزنا عن مساعدتك. ونشهد بأننا شهدنا أموالاً طائلة بددت يميناً وشمالاً، كانت كافية لكم وللمشاريع التي سخرت لها، لولا فساد النفوس البشرية... نحن شهودك أمام الله بأنك قد ظُلمت، ونسأل الله أن ينصفك، وينصف كل النازحين، ويسخر لهم خيرين يعيرونهم شيئاً من الاهتمام، ويعينونهم على عودة الحياة لبيوتهم وشوارعهم وأحيائهم... والله قادر، وهو رب العرش العظيم...

بلغ سلامنا لكل من ذكرناهم، ووالله لن نسامح أحداً خاض في صرف المال العام في غير أوجه صرفه، أو بالغ في صرفه على أوجه غير التي يجب أن يسخر لها، وبيننا وبينهم الله، وهو الحسيب على ما آلت إليه حالتك وبيتك وصحتك وتشردك حتى أوصلتك للموت. فدمك أنت وكل من ماتوا بنفس معاناتك في رقبة من قفزوا وتصارعوا على تصدر المشهد من أجل الكرسي والمال، وأنتم السابقون ونحن اللاحقون، ولقاؤنا أمام الواحد الديان، ليحكم بيننا وبينهم جميعهم، والله ولي الحق ونصيره.

والسلام عليكم.