Atwasat

ليبيا مشهد مكرر في سيناريو الحل اللاحل

أحمد الفيتوري الثلاثاء 04 أكتوبر 2022, 01:38 مساء
أحمد الفيتوري

ليست الدول الصغرى كليبيا، المصابة بمتلازمة الرمال المتحركة، فدولة كإيطاليا، صاحبة الاقتصاد الثالث الأقوى في أوروبا، وصل عدد حكوماتها إلى التسعة والستين، بعد انتخابات «أكثر من الهم على القلب!»، وذلكم منذ إعلان الجمهورية في 1946م، وحتى فوز «إخوان ايطاليا»، الحزب ذي الجذور الفاشية، في انتخابات 2022م.

ومن هذا فتلك المتلازمة لا تمنع الدول أن تكون كبرى، رغم أن تشخيصها يشير إلى البنية الضعيفة لكيان الدولة، التي كالجسد البشري ما قد يكون ضعيف البنية ومن ذلك يفعل الأهوال، في إظهار أن الضعف قد يكون محل القوة، مما يزيح المنطق البشري، الذي يستبعد الخيال عنه، عند معايرة الفعل البشري المعقول، فيوصم بخيلاء ما حدث ويحدث بالتناقض.

ليبيا اليوم تغوص في رمالها المتحركة، وضعفها القوى ينهكه العامل الخارجي، ما استولى على السلطة بكل تعيناتها، فحتى القوى الاجتماعية مصادرة بيد الخارج، الذي أمم كل فعاليات البلاد، بحكم المصالح والنفوذ أولاً، وثانياً بسيناريو أن الحل اللا حل، ما مخرجه المنفذ الأمانة العامة للأمم المتحدة، منذ قرار مجلس الأمن 1973، لحماية المدنيين الليبيين الصادر في مارس 2011م، فنتيجته التدخل الخارجي بالقوة العسكرية للتحالف الدولي، ما نفذ إرادته على الأرض، منذ صدور القرار الأممي الفصل.

وعلى تلك المقاربة تأسست المعطيات اللاحقة، فتتالت المشاهد المكررة لسيناريو الواحد الأحد!، فكان كل مندوب سامٍ أممي، بتعدد أسمائهم، شخصية واحدة تمثل مشهداً مكرراً، وكانت الشخصيات المحلية المشخصة للمشهد، تعيد لعب نفس الدور، ومخرج المسرحية الفاعل الدولي ومساعدوه من الإقليم.

الرسم البياني التوضيحي: أن الأمم المتحدة أصرت وتحت إشرافها، على انتخابات عاجلة في2012 م، ثم استبدلت مندوبها المشرف بآخر، وفي نفس الوقت تم اعتراف دولي جمعي، بنتائج تلك الانتخابات، ما اعترض عليها محليون كثر، وتوقع لها محليون أجانب الفشل، الذي تحقق وأنتج تحاربا أهليا.

أعادت الأمم المتحدة، مداواة الداء بنفس الدواء أي انتخابات عاجلة ثانية 2014م، فكانت الزيت لنار التحارب المتفاقم. ومن نتائج ذاك، مندوب سام جديد، قاد صبغ التفاقم بما سمي «اتفاق الصخيرات 2015»، فأكد الانقسام، المتمظهر في الاعتراف الدولي الجمعي بحكومة الصخيرات مقرها طرابلس، ومجلس نواب اسمته الأمم المتحدة «مجلس طبرق»، الذي تشبث بحكومة منزوعة القشدة مقرها البيضاء.

مع ملاحظة أن في كل مشهد مكرر من السيناريو، مشخصاً يتمثل في مندوب جديد. ومن هذا ثبت المشهد على ما هو عليه لسنوات خمس، كان حصادها تقاتل العاصمة الأشهر، ما أنتج حلاً طبخ بتأنٍ في أروقة جنيف، بعد عدد من المؤتمرات الدولية العليا المتناسلة.

ليبيا اليوم نتاج لعبة جنيف، هدنة عسكرية متقطعة الأوصال، بتقاتل خفيف في العاصمة وضواحيها، وورثة «وفاق الصخيرات»، في عراك ديكة على ما يسمونه الشرعية، وكل ما تقدم مصحوب، بتفاصيل، تتناسل وتنشطر للسيناريو، حيث يكمن الشيطان. جنيف تلك وريثة في سيناريو الحل اللاحل، لمقاربات الصخيرات وأحيانا بتفاصيل مملة، من نتائجها مل الليبيون من متلازمتهم ومل العالم منهم، ومازال الأمين العالم للأمم المتحدة يكرر قلقه!.

في المشهد المكرر تحت اسم جنيف، وضع تاريخ للحل النهائي المطلق انتخابات ديسمبر 2021م العاجلة أيضاً. لكن المكرر هذه المرة، تمسرح في صيغة مشهد دراماتيكي، لدرجة أن الليبيين، والعالم خاصة عبر الميديا، كان حالهم حال طفل: في انتخابات، لا ما فيش انتخابات، في انتخابات لا مافيش هكذا دواليك.

كرروا اللعبة بقيادة قائد القوة القاهرة، الدكتور عماد السائح رئيس مفوضية الانتخابات الليبية!. وقد نجحت عملية الانتخابات، المزعومة والعاجلة، نجاحا منقطع النظير، بأن أصاب العالم وليبيا الوهن، فجمعا وأخيراً توافقوا على أن الحل اللاحل، لدرجة أن النواب ونائب رئيسهم تحولوا إلى سفراء، وذهبت ريحهم وكل منهم إلى فج عميق.

بدأت مسألة الفساد، مسألة يتبناها الفاسدون، باعتبارها المسألة، فيما غاص الفريق الدولي والأمم المتحدة في حرب أوكرانيا، وغطس الإقليمي في أوحال نتائجها. لكن من نتائج ذلك، أن الليبيين والإقليم تناسوا الحل الليبي ليبي، وصلوا جماعة مرددين أخيرا: أن المسألة الليبية ليست مسألة ليبية، وأنها مسألة دولية مختومة بالحل اللا حل، مؤجلة إلى أجل غير مسمى.

وعليه يعيث الفاسدون فسادا، فيدين الفاسدون فسادهم، وكل في غيهم يعمهون.

ليس في الأفق غير سراب يلد سراب، وسلالة تفاصيل تتناسل، ووجوه مصفرة وريح صرصر. وكما بدأتُ أعيد الكر، تحت ضغط هيمنة المكرور، أن متلازمة الرمال المتحركة، ليست متلازمة الدول الصغرى فحسب، بل متلازمة لدول كبرى، ومنها أن الضعف قوة يمكن استخدامها بقوة وتوظيفها. وأن اليأس العظيم مفك الزقاق المسدود، ففي هذه اللحظة ينشغل العالم، عن سيناريو في ليبيا، بسيناريوهات خطر زوال خارطة عالم، ما بعد الحرب الكبرى الثانية، ومن هذا الانشغال تبرز بقعة ضوء، في آخر الشارع المظلم. هذه البقعة، هي ما يمكن أن تجعل، الآن وليس غدا، وحقا، أن المسألة ليبية ليبية، وأن الحل ليس اللاحل، وإن على الليبيين ومعاضديهم الحق، استغلال هذه الفرصة غير المكرورة.