Atwasat

هيا.. تفضلوا

جمعة بوكليب الأربعاء 21 سبتمبر 2022, 11:29 صباحا
جمعة بوكليب

العزومة أنواع، ومن ضمنها ما اصطلح اجتماعياً على تسميتها بالعزومة الكاذبة. وسُميت بالكاذبة لاستحالة تحققها، لأن الضيف يعلم يقيناً أن المضيف صاحب الدعوة لا يعنيها، واضطر إليها اضطراراً إما خجلاً ورفعاً للعتب، أو بخلاً، من دون أدنى رغبة في تحقيقها، وربما أيضاً لعدم القدرة على ذلك. وفي زمن الإنترنت، والفيسبوك وغيرهما من إنجازات العصر التكنولوجي الإلكتروني، ظهر علينا نوع جديد من العزومة الكاذبة، في مواقع التواصل الاجتماعي الليبية على وجه الخصوص.

إذا دخلت إلى تلك المواقع صباحاً، فلا تلومن إلا نفسك. والسبب هو أنك ستجد نفسك مدعواً كذباً لتكون ضيفاً افتراضياً على عشرات الموائد الصباحية، من مختلف أنواع الأطعمة والمأكولات والمشروبات التي تقدم مع إفطار الصباح: بريوش على كعك على غريّبة وبقلاوة على قهوة وشاي وكابتشينو ومقروض ودبلة وزمالة قاضي، على تن وهريسة وشكشوكة وبيض مطبوخ ومقلي وسلاطة مشوية... إلخ، وكلها معروضة في صور تفنن أصحابها وحرصوا، عن سبق إصرار وترصد، على التقاطها من زوايا عديدة، وبمزاج رائق، وعرضها على من يشاركونهم صفحاتهم تفاخراً، وكلها مصحوبة بعزومة متبجحة وكاذبة: هيا تفضلوا.

وفي فترات الغداء يتبارى القوم في عرض موائدهم الغذائية الدسمة، صحون ومعاجن بكافة الألوان والأحجام. مشويات على مقليات. لحوم وأسماك ومصائب لا أعرف لها اسماً، وكلها «مستّفه وتسفّه» مثيرة للشهية وكذلك للغيرة والحسد. وكالعادة، مصحوبة بعزومة لا تقل تبجحاً وكذباً وبوجه صفيق وبلسان أكثر صفاقة: هيا تفضلوا!!

الغريب أن الأمر انتشر واستفحل حتى أضحى ظاهرة، أعتبرها شخصياً مثيرة للتقزز والشفقة والحزن على أصحابها وما تحلوا به من ضيق أفق. وتشعرني وكأن القوم لا همَّ لهم في الدينا الواسعة العريضة، وما يدور فيها من شؤون، إلا التفاخر والتباهي والتبجح بما يطبخون ويأكلون.

وكلما قابلتني تلك الصور أحسست بأن الظاهرة غير عادية، بل وتستحق البحث والدراسة، وفهم وتقصي الأسباب وراءها. وهل هي مقتصرة على المواقع الليبية أم أنها تشكل ظاهرة عامة؟

مواقع التواصل الاجتماعي وجدت بغرض تواصل البشر وتبادل الآراء والأفكار.

لكن إخوتنا في المنطقة الممتدة من السلوم شرقاً وحتى رأس جدير غرباً واوزو جنوباً، تمكنوا بقدرة قادرة من إدهاش الدنيا بفنون جنونهم الإبداعي الفيسبوكي. فهم أولاً غيروا من وظيفة وسائل التواصل الاجتماعي من كونها وجدت لتكون أداة للتواصل بين البشر وتحويلها إلى جسر مخصص لنقل الدعاء إلكترونياً إلى الله مباشرة. حيث يبدأون صباحاتهم بشيئين أساسيين: الدعاء إلى الله بما يتمنّون ويشتهون، أو عرض صور عديدة لموائد إفطار عامرة بما لذ وطاب من مأكولات وأطعمة صباحية.

وفي الفترة حتى حلول موعد وجبة الغداء يتفننون في نقل الأكاذيب ويتبادلون الشائعات ويتقاذفون بالشتائم والسباب، إلا من رحم ربي منهم. وحين يتعبون، يكون موعد حلول وجبة الغداء، عندها يغيرون البوصلة إلى جهة أخرى، ويبدأون بتبجح في عرض ما طبخوا من أطعمة ومأكولات، وتوجيه الدعوات الكاذبة مجدداً.