Atwasat

الرواية العربية المعاصرة ومابعد الحداثة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 18 سبتمبر 2022, 11:17 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

صدر في القاهرة الأيام القليلة الماضية، كتاب يحمل عنوان "ملتقى الشارقة للسرد. الدورة "18": المتخيل السردي وأسئلة ما بعدالحداثة في الرواية المعاصرة" الذي جرت فعالياته على مدى يومي 5 و 6 سبتمبر الحالي. والكتاب يضم أوراقا نقدية، إضافة إلى شهادات بعض كتاب القصة والرواية*.

ورغم أن العنوان يحدد موضوع التناول بأنه "الرواية المعاصرة" بإطلاق، إلا أن الأمر في الواقع كان منصبا على الرواية العربية المعاصرة، وخصوصا المصرية.

وقبل التطرق إلى ملامح الرواية العربية المعاصرة ومتخيلها السردي في علاقتها بمابعد الحداثة، نود إعطاء لمحة مقتضبة عن سمات مابعد الحداثة.

ترفض مابعدالحداثة الحدود بين أشكال الفن الراقية والعادية، ملغية التمييز الجامع المانع بين الأجناس الأدبية، مركزة، بدلا من ذلك، على المعارضة (pastiche) والمحاكاة الساخرة (parody) والترقيع bricolage والسخرية (irony) والمزاح (playfulness). ففن (وفكر) مابعد الحداثة يفضل الاستبطان الذاتي ((reflexivity والمراقبة الذاتية (= الوعي الذاتي) (self-consciousness)، والتشظي والتقطع (خصوصا في البنى السردية).

والإبهام والتزامنية وعدم الأنسنة (dehumanized) وانعدام المركز والتفكك. فبما أن العالم، من وجهة نظر مابعد الحداثة، خال من المعنى، فينبغي، إذن، ألا نزعم أنه يمكن أن يكون للفن معنى. عليه، فلنلعب مع اللامعنى1.

وبذا "يمكن فهم مابعدالحداثة... على أنها ردة فعل على الحداثة في أعقاب الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية حيث أصبح العديد من المثقفين والفنانينفي أوروبا لا يثقون في الحداثة السياسية والاقتصادية والمشروع الجمالي برمته، وبعد عهود من ارتباط الحداثة بالهوية والسلطة واليقين، ترتبط ردة فعل مابعدالحداثة بالتشكك والانفصال والتعدد حتى أنه يمكن وصفها إيجازا بالتشكك في كافة الادعاءات والسرديات الكبرى في الحياة انطلاقا من إنكار وجود واقع موضوعي ، أو قيم أخلاقية موضوعية، لصالح النسبية المعرفية والأخلاقية والميل إلى الوعي الذاتي والإحالة الذاتية والتعددية"2.

لن نتعرض في هذا المقال إلى عرض بحوث الكتاب ومناقشتها، وإنما سنكتفي بإيراد ما رصدته تلك البحوث من ظواهر وملامح في الرواية العربية المعاصرة من زاوية صلتها، وتواصلها، مع مفهوم ومناخات مابعد الحداثة.

نرى أن هذه الملامح يمكن إجمالها في "التشظي البنائي [...] وجدل الوحدة والاستقلال في بعض الروايات التي نهضت على شكل المتواليات القصصية.. والتجريب البنائي.. الذي يستعير أشكالا مركبة من فنون أخرى.. وتجاوز الحبكة التقليدية في بناء الرواية، بما في ذلك إمكان تعدد الحبكات داخل الرواية الواحدة.. والحراك الكبير في لغة السرد الروائي، الذي استكشف بعضه تقنيات مغامرة؛ مثل نفي المسافة بين لغة الشعر ولغة السرد..."3.

إضافة إلى "هيمنة البعد البصري على سرد بعض الروايات [...] بأثر من آثار التقاطع بين ‘السرد الروائي‘ و ‘السرد السينمائي‘.. والتوسع في اعتماد أبنية قائمة على العجائبية الجانحة.. والإيغال في تحطيم علاقات الزمن [...] تتخطى الحركة المتحررة في الانتقال من علاقات الاسترجاع والاستباق والمدة والتواتر [...] والامتداد في توظيف التوثيق بطرائق مبتكرة"3، وسوى ذلك، حتى صار يمكن القول، مع البعض، أن رواية مابعد الحداثة أضحت "شكلا لا شكل له"!

* الكتاب وزع على المشاركين في الملتقى.


1- Mary Klages, Postmodernism. https://www.webpages.uidaho.edu/~sflores/KlagesPostmodernism.html
2- محمد إبراهيم طه. من الحداثة إلى ما بعد الحداثة. ص77- 78. (جميع الصفحات المذكورة تحيل إلى الكتاب المذكور).
3- حسين حمودة. تحولات البناء في الرواية المعاصرة. ص230.