Atwasat

باتيلي والشتاء والهجرة

رافد علي الخميس 15 سبتمبر 2022, 04:44 مساء
رافد علي

زيارة رئيس برلمان طبرق السيد عقيلة صالح لتركيا مؤخراً تشير إلى أن هناك تطوراً فى الموقف التركي حيال الأزمة الليبية، خصوصاً بعد أن جاءت البيانات الرسمية التركية المتعلقة بصدامات طرابلس الأخيرة نهاية الشهر الماضي حيادية، ولم تمل لطرف بعينه في الصراع الدائر على السلطة في البلاد. يأتي هذا التطور في الموقف التركي بعد أن بات جلياً أن الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وباشاغا المدعوم من برلمان طبرق بحكومة الاستقرار الموازية، لا يميلان للجلوس والتفاوض، وهو الشيء الذي يجعل من الوضع الداخلي الليبي شديد التعقيد، مما شجع على أن تظهر إعلامياً فكرة تشكيل حكومة ثالثة تتجاوز حالة التعقيد، وتخترق حالة الاحتقان السياسي القائم بقصد الوصول لانتخابات "في أسرع فرصة ممكنة"، وهي الفكرة التي تم تفنيدها على نطاق رسمي واسع ووصفت بأنها "أحلام يقظة".

السفير الأمريكي والمبعوث الخاص لليبيا ريتشارد نورلاند لازالت تحركاته تصب فى سبيل الحفاظ على التهدئة وانعدام الصدامات المسلحة التي تقلق سوق النفط والغاز وتربك حلفاء واشنطن بأوربا، خصوصاً وأنهم باتوا جميعاً في مواجهة حقيقية مع موسكو جراء الحرب الأوكرانية، التي تعكس شراسة القتال فيها هذه الأيام مدى سطوة شبح الشتاء على الذهن الأوربي. قانون استقرار ليبيا الأمريكي لازال لم يصادق عليه بعد مجلس الشيوخ حتي يصبح نافذاً، فواشنطن، على ما يبدو، ليست في عجلة من أمرها بخصوصه، ما لم نقل إن واشنطن لازالت غير قادرة على تحديد المعرقلين للتسوية في ليبيا ومن ثم ردعهم باسم القانون المذكور، وذلك مردهُ لشدة فوضى الساحة الليبية بكل الاحتقانات فيها، بدليل أن جميع أطراف الصراع على السلطة بالبلاد رحبت بإصدار قانون استقرار ليبيا من قبل الكونجرس، واعتبرته موجهاً لخصومها السياسيين، فالواضح جداً، حتى اللحظة من تحركات نورلاند، أن التركيز الأمريكي منصب على الملف الأمني وليس السياسي، بقصد تقويض إشكالية المرتزقة الأجانب بالبلاد أولاً، خصوصاً فاغنر الروسية، أما عن رفع حظوظ التسوية السياسية الليبية-الليبية، بحسب اعتقادي، ستأتي، بنظر الأمريكيين تباعاً عبر التخلي عن نهج السلاح والصدام الأهلي. العاصمة التركية أنقرة يبدو، بنظري، أنها تستوعب ذلك تماماً، وهو ما جعلها تبتعد عن تدابير الاصطفاف السياسي المعلن أثناء صدامات "السبت الأسود" في طرابلس نهاية أغسطس الماضي، وقد أضحت ليبيا برمتها اليوم، وبكل الانسداد فيها، تستعد لاستقبال عبد الله باتيلي لمباشرة مهامه كمبعوث أممي جديد في ليبيا.
السنغالي باتيلي، أول افريقي يشغل هذا المنصب بعد رحلة فشل سياسي أممي لايزال يتجدد في كل مرة بليبيا، مما شجع المشككين في باتيلي على الجهر بتخوفاتهم من أنه سيسعي لحل أزمة أفريقيا فى ليبيا، أكثر من سعيه لحلحلة الأزمة الليبية-الليبية، كإشكاليات الفراغ الأمني وفوضى الحدود بمنطقة دول الساحل التى يعد خبيرأ بشئونها، وكذلك الإشكاليات الأخرى المتعلقة بقضايا توطين المهاجر غير الشرعي القادم من أعماق أفريقيا حالماً بالوصول للضفة الشمالية للمتوسط عبر ليبيا.

يدفع التيار المتخوف من باتيلي بأن تاريخه كمدافع عن حقوق الإنسان قد يجعله يسعي جاهداً إلى رفع توصياته للمجتمع الدولي لنزع صفة "الممر" عن ليبيا في ملف الهجرة غير الشرعية التي تعاني منها القارة العجوز، وبالتالي الضغط على أهل الأمر بالبلاد بخلق تأطير قانوني في ليبيا "الغنية والواسعة" لتوطين المهاجر غير الشرعي العالق بالبلاد. حتماً لازالت الأشياء في بدايتها مع باتيلي، صاحب الخبرة الطويلة كدبلوماسي وسياسي وأُلفته مع تفاصيل ملف الأزمة الليبية بحسب تزكيات انطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة.

إلا أن واقع الحال الذي سيواجه باتيلي في ليبيا معروف بانه شديد التعقيد وغني بالعراقيل وتسوده الأجواء المسمومة، إذ لم يتوان جوناثان وينر، المبعوث الأممي الأسبق لليبيا، في مقالة نشرها قبل أيام بموقع مركز شئون الشرق الأوسط بالولايات المتحدة عن إلقاء الضوء على حجم التحديات التي ستكون في مواجهة مهام باتيلي بليبيا منها شيوع الفساد وتورط النُخب الحالية فيه وحرصها على استمرار الفوضى وعدم الاستقرار، فما النزاع على شرعية السلطة في البلاد، عند وينر، إلا دعاية رنانة يجب على باتيلي تجاوزها عبر العمل أكثر مع المجتمع الأهلي وبلدياته، لأنهم أكثر شرعية من كل الوجوه المستدامة بحكم واقع الأزمة الليبية وطبيعة شخوص وتمركزات اللاعبين فيها.

كيف سيعمل باتيلي؟! هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة ببلاد لم يعد الخبز فيها مُراً وحسب، بل مغشوشا تارة، ومسموماً تارات أخرى. إلا أن تسارع الأحداث السياسية الليبية بانفتاح معسكر الشرق على حلفاء أهل الغرب، ووجود توافق دولي على شخصية باتيلي، يمنح المرء انطباعا قويا بأن الجولة السياسية القادمة بليبيا تستحق منا التمعن أكثر مع باتيلي في ليبيتنا، وأزمتنا مع أنفسنا كعرب وكأفارقة أولاً، وكأصحاب "كعكة" مطموع فيها، ثانياً، على مدى فصول الشتاء ومواسم الهجرة.