Atwasat

القتال في العالم.. لن يهدأ

سالم الكبتي الأربعاء 03 أغسطس 2022, 10:23 صباحا
سالم الكبتي

تظل الحروب تنشأ في هذا العالم رغم معاهدات الصلح. ويظل القتال الشرس إلى أبعد الحدود ينهض مطلع كل شمس رغم طاولات المفاوضات. تتبدل الخرائط وتتزحزح الخطوط وتنعق الغربان كل لحظة ولا يهدأ العالم أو يستقر على حال. يصل إنسانه إلى حافة الهلع والحزن والانكسار ويدفع الثمن وحده. ويموت وحده. ولايبكيه أحد. ولا يرف من أجله جفن.

إن العالم لم يهدأ ولن يهدأ على الدوام. من معاركه تتوالد مثل صغار القطط حروب أخرى. والمعركة تظل مقدمة أو مفتتحا لمعارك طويلة أخرى.

هكذا تقول التجربة. هكذا يقول الخبراء.. ودعونا نتحدث بهدوء: لنلاحظ معا ماحدث ومايحدث سواء ما عايشناه أو سمعنا عنه من مختلف المصادر طوال الستين عاما الماضية. إنها تكاد تكون الحرب العالمية الثالثة دون أن تعلن عن نفسها. لقد قارب العالم في مرات عديدة من الفناء. كانت اللحظات العصيبة تمر بثقلها وربما لو صادفت وجود أي مجنون في أي من غرف السيطرة والعمليات أو في غيرهما لكان العالم قد ضاع تماما.

ضاعت حضارته ووجوده واختفى إنسان هذا العالم نتيجة لهذه الألعاب النارية المدمرة!

ولننظر على سبيل المثال وبمنتهى الهدوء إلى مسيرة هذه الأعوام المقلقة. فرغم الأحاديث والتعليقات الممتلئة بالوداعة والدعوة في الخطب في المباني المهيبة والمناسبات الكبيرة إلى السلام والطمأنينة إلا أن ما يظل يجري فوق سطح العالم يدعو إلى الخوف والقلق مع تناول فنجان القهوة في الصباح وفي ساعات العمل والدراسة والجلوس في الضواحي والحدائق والمنتزهات والرحلات بين المدن والتزلج فوق الثلوج.. وغيرها.

يظل الإنسان رغم مظاهر الحضارة والتقدم العلمي المتواصل وغزو القمر.. يظل قلقا ويعرف أن مصيره سيبقى محزنا ومعلقا في أصبع أحد المجانين ذات لحظة فارقة.

إن الإنسان رغم هذا الاستقرار المترنح ورغم هذه العلاقات التي تهدأ ثم تتوتر يظل يعيش الرعب وتطرق أسماعه أصوات الانفجارات والمزيد من الكوارث. فلا العالم تناله الراحة بهذا الشكل المقلق ولا الإنسان يستقر على حال من الأمن والسكينة.

قلق على قلق وأسباب الدمار تحته وفوقه وبين أجنابه وبالقرب منه بلا توقف.

ودعونا أيضا ننظر في وقفة مليئة بالحزن والتدبر إلى هذه الحروب والمعارك التي تبدأ ولا تنتهي وتتصل بها نزاعات ومعارك أخرى.. ضرورية أو غير ضرورية.. لازمة أو غير لازمة. معارك اليوم. حروب الساعة هي خيط واحد متصل بمعارك وحروب الأمس القريب والبعيد على حد سواء. وليس ثمة أمل أو مخرج في نهاية السرداب.

هل يتذكر العالم في لحظات النزق التي يعيشها اليوم أن هذه اللحظات المريرة تكرر نفسها بنفس الوتيرة وإن اختلفت الأساليب والوسائل والوسائط والعوامل. معركة تقود إلى أخرى وحرب تفضي إلى حرب ثانية مثلها أو أشد.

لم يتغير شيء في العالم في واقع الأمر منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وظل الحزن يعقر الأقدام في كل الإتجاهات. المصالح تطغى والأكاذيب تبرر الغاية ويحترق الإنسان في غابات العالم. الزعماء المهيبون لا تهمهم الطاحونة التي تسحق الإنسان وفقا لتصرفاتهم وأكاذيبهم وألاعيبهم المملة.

هل يتذكر في هذه الوقفة العالم وإنسانه ما يحدث على سبيل المثال منذ غزو خليج الخنازير في إبريل 1961 ثم أزمة الصواريخ في كوبا عام 1962. هل يتذكر البشر أن هذه الحروب مقدمات طويلة لما نحن فيه الآن ولما سيستمر على ضوئه وما يحدث خلاله من مفاجأت.
هل يتذكر أحد.. حرب اليمن والحرب الأهلية في نيجيريا وانفصال بيافرا ثم عودتها إليها بعد دماء وكوارث.

والحرب التي مثلها في قبرص. وحروب الكونغو ومآسي جنوب أفريقيا وعنصرية الإنسان الأبيض والحروب العربية الإسرائيلية وحروب الحدود بين المغرب والجزائر وهندوراس والأكوادور وليبيا ومصر وحرب الصحراء بين البوليساريو والمغرب وحرب الأوغادين بين الصومال وأثيوبيا. ونزاعات رواندا وبوروندي.

والبوسنة والهرسك وكرواتيا والصرب وحرب الشيشان وحرب فيتنام ونزاعات لاوس وكموبوديا وحرب لبنان وحرب الخليج الأولى والثانية وحرب العراق وإيران.. والاقتتال والصراعات المؤسفة المستمرة ما بعد الربيع العربي.. وكورونا وأوكرانيا.. التي ستظل مقدمة تفغر فمها لتغيرات خطيرة على مستوى العالم وسيظل أمامها الإنسان ذات يوم فاغرا فاهه في رعب هو الآخر. أوكرانيا مقدمة جديدة متواصلة مع السابق لتكريس الحرب العالمية الثالثة دون شك. تداعياتها تلوح في هذه الأزمات التي نشأت عنها في القمح والغذاء والغاز.. والقادم أكثر هولا.

إن هذه الحروب والمعارك ليست من خشب أو صدف بل سلسلة متتابعة من الدماء والمآسي وتصيب المرء بالدوار عندما يقلب صفحاتها أو تاريخها. لنلاحظ أنها معركة واحدة. وحرب واحدة تشكل في أبعادها حربا لن تهدأ ولن يهدأ معها العالم الذي يحلم بالهناء والرغد ولايصل إليهما.

بعد هذه الأعوام الستين يصل العالم إلى مقدمة مفتوحة على معارك المستقبل التي لا تنتهي من تزاحم الأضداد والأحقاد رغم تفاؤل الخطباء والمحللين الذين يحاولون رش ماء الزهر فوق تلال الجماجم وخطوط النيران الملتهبة الطويلة.

فتخيلوا العالم.. مجرد تخيل، بعد عشرة أعوام من الآن.
مجرد تخيل فقط أيها السادة المحللون والخطباء المتفائلون؟!