Atwasat

الكتابةُ بـ «قَعْمُورة نخلة»

جمعة بوكليب الأربعاء 29 يونيو 2022, 01:22 مساء
جمعة بوكليب

بحثتُّ، مؤخراً، في معاجم اللغة العربية، المتوفرة على شبكة الإنترنت، عن إمكانية وجود أصل عربي لكلمة "قَعْمُور" أو "قَعْمُورة." لكنّي، للأسف، خرجتُ منها خاوي الوفاض. وفي اللهجة المحكية، في مناطق غرب ليبيا، فإن كلمة "قَعْمُورة" وجمعها "قعامير" أو قعمورات" تعني نهاية الشيء. وحين تقول "قعمورة نخلة" يفهم السامعون أنك تعني بذلك نهاية جذع النخلة المتصل بالجذور، وليس رأسها.

قعمورة النخلة، دخلت دائرة الأمثال الشعبية الليبية. ولعل أوضح ما أتذكر من أمثال، ذلك الذي يأتي في حديث لوصف شخص بانعدام الفهم، إما لقِصر في تفكيره أو لشدة عناده وتمسّكه برأيه. فيقال إن فلاناً لا يفهم، أو لن يفهم، ولو كتبتَ له بـ قعمورة نخلة.

مثلٌ شعبي بليغٌ حقاً. تخيّل، أيها القاريء الكريم، أنّك تمسك بين يديك بـ قعمورة نخلة، بغرض أن تكتب بها شيئاً، لعل محدثك يتفهم وجهة نظرك. إلا أن شدة عناده، أو قصر تفكيره يحول بينه وبين ما تريد. وهي صورة غريبة لا تخلو من سوريالية. لكنّها تفي بالغرض. والغرضُ أن الحال الذي وصلنا إليه في بلادنا لم يعد خافياً على أحد. وأن بلادنا وآمالنا وأحلامنا قد اختطفت وصارت رهينة. وأن مختطفيها نوعية غريبة ومزيج من البشر، مثل الخليط المعدني الذي يتجمع في "قروز الحداد" المشهور. وأن البحث عن حلول للأزمة مع مسببيها، والمستفيدين منها، يدخل تحت خانة إضاعة الوقت والجهد. وعلى سبيل المثال، ظهرت علينا عناوين أخبار مؤخراً تنعي فشل المفاوضات في مدينة القاهرة، بين وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة بهدف إيجاد قاعدة دستورية لإقامة انتخابات رئاسية ونيابية. وما أثار اهتمامي ليس فشل المفاوضات، فذلك متوقع، بل الإحباط الشديد الذي سرى في نفوس العديد من الليبيين. وأنأ أتفهم وأتعاطف مع مشاعرهم الطيبة والوطنية. إلا أن التعاطف والتفهم لا يحول دون لفت اهتمامهم إلى حقائق ثابتة وصلدة، ومكتوبة على الجدران بقعمورة نخلة منذ عقود من الزمن. وعدم نسيانها يقي النفوس من الإحباط وغيره.

القاعدة تقول إن السياسة والمصلحة يسيران يداً بيد. والمنطق يقول إن لا أحد، بوعي وإدراك، يتطوع بتوفير سكين لمن يريد ذبح دجاجاته التي تبيض له ذهباً. وأعضاء الوفدين الذين تواجدوا في القاهرة يمثلون جزءاً من نخبة، سياسية وعسكرية ودينية، هبطوا من السماء في فبراير 2011، واستولوا على المشهد بأكمله. وهم سبب كل الأزمات التي حدثت، ولن ترى البلاد انفراجة مأمولة إلا بمغادرتهم جميعاً للمشهد. ومن غير المنطقي أن نتوقع ممن كانوا في القاهرة، أو من الذين سيذهبون إلى جنيف قريباً، أو من غيرهم من نفس الوجوه والأسماء التي عرفناها، أن يجلسوا معاً، بغرض إيجاد حل لمشكلة، يعرفون مسبقاً أن أي حلّ لها يعني حرفياً خروجهم من المشهد نهائياً. وأن أي حلّ لا يضمن مغادرتهم للمشهد، لا يعدو أن يكون وهماً.

وسبق للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة السيدة ستيفاني ويليامز، في مقابلة أُجريتْ معها، ونشرت في صحيفة الـ غارديان البريطانية، وصف المستحوذين على المشهد الليبي بأنهم لصوص. ولا أعرف إلى وقتنا هذا لماذا تصرّ السيدة ويليامز على محاولة إقناع من وصفتهم علناً باللصوص بضرورة إجراء انتخابات؟ ولو يتاح لي فرصة لقاء معها، لن أضيع وقتاً في الحديث عن الوضع السياسي الليبي وتعقيداته ومصائبه. لكني سأنتهز الفرصة لتوجيه دفة الحديث نحو جهة أخرى، تتعلق بجدوى تعلم الكتابة على الجدران بقعمورة نخلة، حتى وإن كانت صعبة في البداية. وبالتأكيد سوف أحاول مساعدتها، في اختيار قعمورة مناسبة، وجدار مناسب، ومن المتوقع كذلك أنني سوف اسعى إلى إقناعها باختيار مثل شعبي ليبي وكتابته على ذلك الجدار بقعمورة النخلة تلك، لكي تراه كل يوم، وهي في طريقها إلى الاجتماع بمن وصفتهم باللصوصية. والمثل المعني يقول: "ياطامع بالعسل من ط....البُوزِنّانْ."