Atwasat

وداعاً جيمس بوند

جمعة بوكليب الأربعاء 04 مايو 2022, 01:18 مساء
جمعة بوكليب

أُسْدِلَ الستار أخيراً، وبنهاية درامية مُشبعة بحزن ودموع، على موت جيمس بوند، العميل السرّي في المخابرات البريطانية الخارجية إم آي 6-MI6 المعروف اختصاراً 007.

النهاية غير المتوقعة، جاءت في شريط سينمائي، شاهدته مؤخراً بعنوان خادع ( لا وقت للموت- No Time To Die)عرضته قناة أمازون. وموته في آخر الشريط، بمثابة إعلان عن انتهاء مرحلة تاريخية، وبداية أخرى. لكن من حقنا أن نسأل: كيف لنا، بعد الآن، بالعيش في عالم يخلو من جيمس بوند؟

عشاقُ أفلام العميل بوند، في جميع أنحاء العالم، سوف يعلنون الحداد، ويغشاهم حزن وإحباط أولاً. ثم ثانياً، سوف يفيقون من الصدمة، و ينشطون مجدداً فضولاً لمعرفة اسم البديل الذي سيحلّ مكانه بالتأكيد. ولن تخيّب استديوهات الإنتاج السينمائي في هوليوود آمالهم.

السؤال الآن: لماذا قررت تلك الشركات الهوليوودية أن تنهي حياة العميل السرّي بوند في هذا الوقت تحديداً؟ وما ضرّ لو مدتْ في أجله عقداً من الزمن أو اثنين آخرين؟

العميلُ السرّي بوند عابرٌ للأجيال. قرابةَ ثلاثة أجيال من رواد السينما يعرفونه، ويعشقون مغامراته. ممثلون عدة قاموا بالدور، ولكل واحد منهم ميزة تميّزه عمن سبقه ومن خلفه. لكن جيمس بوند هو جيمس بوند، لا يتغير، بغض النظر عمن قاموا بتمثيل الدور. واستطاع أن يستحوذ على شطر كبير من أدمغتنا وحياتنا، بل وتسلل حتى إلى أحلامنا، لفترة زمنية تزيد على نصف قرن.

عرفناه صغاراً، وأحببناه بشغف. وكنا ننتظر أفلامه بفارغ الصبر. كنا ونحن صغار نهرع معاً في جماعات، إلى دور العرض لمشاهدة أفلامه الجديدة، أولاً بأول. وكنّا حين نذهب للنوم ليلاً، نستعيد كل وقائع الفيلم، وندعو الله أن يجعلنا مثله حين نكبر. وبمرور الوقت كبرنا، وانحنت ظهورنا تحت ثقل ما أرهقنا به الزمان من أحمال وهموم، وتغيّر العالم وتغيّرنا معه. لكن العميل السرّي 007 ظلَّ في عنفوانه، وازداد مع التقدم التقني غواية، وازددنا نحن تعلقاً به وشغفاً. وحين بلغنا مرحلة الكهولة، لم يهرم هو.

بل ظل، كما عهدناه، رجلاً في مكتمل العمر، ينط وثباً، قافزاً فوق أسطح البيوت والعمارات، متخطياً كل الحواجز والعقبات التي تحول بينه وبين تحقيق أهدافه، ويركب سيارات مصفحة آخر موديل، ويقودها بسرعة جنونية، ويمارس الحب مع نساء يتشقق لهن القلب رغبة من فرط جمالهن، وينتصر دوماً في كل معاركه مع أعدائه، ولم يجد الموتُ سبيلاً إليه.

أكثر من نصف قرن من الزمن أو يزيد، ونحن نشاهد أشرطة جيمس بوند. لكنه مات في الفيلم الأخير، وترك عالمنا مقلوباً على رأسه، يعاني من آلام الجائحة الفيروسية، ثم الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمات التضخم، وغلاء أسعار الطاقة. غادرنا على غفلة، وبخدعة هوليوودية محبطة.

وها نحن الآن، في كل العالم، نودع مرحلة جيمس بوند، وندخل تاريخياً مرحلة ما بعد جيمس بوند. وليس أمامنا سوى الانتظار، على أمل أن تعجل استديوهات السينما في هوليوود بإيجاد بطل غربي آخر، طويل ووسيم ويجيد مغازلة البنات وإيقاعهن في شباكه، ونتعلق نحن به شغفاً، تعويضاً عن البطل العربي، الذي انتظرناه ولم يأت أبداً، ولا أظنه سيأتي.

وأتوقع أنه على غرار ما حدث مع الممثل الأمريكي "جون وين"، حين اكتهل ولم يعد ينفع لأداء دور البطل الأمريكي راعي البقر وهو يتوغل فاتحا العالم الجديد، خرجت علينا هوليوود بالتعاون مع شركات الإنتاج السينمائي في إيطاليا بشخصية "كلينت ايستوود"، وما صار يعرف بأفلام السباغيتي، واستحوذت على عقول وقلوب المشاهدين، سوف لن تتأخر شركات الإنتاج السينمائي الأمريكية في إدهاشنا والاستحواذ على عقولنا وقلوبنا من جديد، لنصف قرن آخر أو يزيد، حسب الظروف، ببطل بوندي الطابع والطبائع لا يهزم. ولتلك الغاية، لا بأس حتى من إعادة تدوير القصص القديمة، بتغييرات طفيفة، تتناسب وتطورات الزمن. وآه يازمن.