Atwasat

مخاطر عدم التوقيع

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 01 مايو 2022, 01:58 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يجد المرء نفسه، أحيانا، في وضع معقد، وفي محاولة اتخاذ موقف أو قرار بشأنه يواجه باحتمالات أو إمكانات تتساوى أو، على الأقل، تتقارب مخاطرها، فيصاب بالارتبك والحيرة.
ولقد مررت، مع آخرين، بحالة من هذا النوع كان المسار فيها غامضا وأفق المستقبل غائما إلى حد يجعل الرؤية مضطربة.

ففي بداية الزج بنا في السجن من قبل عصابات "اللجان الثورية" وقيادة النظام السياسي المسقط سنة 2011 ، على أثر تلفيق تهمة لنا مؤداها أننا شكلنا خلية حزب شيوعي "معاد في الغاية والوسيلة لأهداف ثورة الفاتح من سبتمبر" وجدنا أنفسنا عالقين في دوامة هذا الحدث الطاريء.

كان عددنا ستة عشر "ضحية". اقترح أربعة منا توجيه مذكرة إلى معمر القذافي نطالبه فيها بالإسراع بإحالتنا إلى المحاكمة.

ينبني هذا الاقتراح على فرضيتين: الأولى، أن معمر القذافي أعطى الضوء الأخضر لعصابات "اللجان الثورية" باعتقالنا بناء على ما أبلغ به من معلومات مختلقة وأنه حين يكتشف هذا التلفيق لن يجيزه. الثانية، أن دواعي اعتقالنا من التهافت بحيث أن أية محكمة، سواء كانت خاصة مثل "محكمة الشعب"، أو محكمة منتظمة في البنية القضائية التقليدية، ستحكم ببطلان الدعوى وبراءتنا.

أنا كان موقفي مختلفا. إذ كنت أرى أنه لم تلفق لنا التهمة ويزج بنا في السجن من أجل أن نخرج في وقت قصير، وإنما مدة الاعتقال ستطول، وأن موقف معمر القذافي بشأننا لا يختلف عن موقف عصابته وأنه من الأفضل لنا البقاء في السجن دون محاكمة، لأن إحالتنا إلى المحاكمة ستدفع النظام إلى الحكم بإدانة عدد (1) منا. وفي هذه الحالة سيحكم على المستهدفين منا بالسجن المؤبد، وبذلك ينتفي احتمال إفراج قريب (وأعني بصفة قريب هنا: بعد سنتين او ثلاث).

في البداية كانت الغالبية الكبيرة منا ضد فكرة تقديم المذكرة وتتبنى رأيي. إلا أن نشاط المتحمسين لمقترح رفع المذكرة وقدرتهم على الإقناع، إضافة إلى الحالة النفسية التي كانت تحكمنا بسبب غموض الوضع وعدم وضوح مساره، جعل عدد المتبنين لرأيي يتناقص يوميا، إلى أن "بقيت مثل السيف فردا"! (2).

عندها كنت مضطرا إلى إضافة توقيعي إلى آخر القائمة. ليس نزولا عند رأي الأغلبية (إذ لا مجال لفكرة الديمقراطية هنا) وإنما بسبب خوفي على مصيري. إذ لو تلقى معمر القذافي المذكرة وعلم بخلوها من اسمي، فمن المؤكد أنه سيحقد عليَّ (وهو شخصية حقودة) ويؤذيني بطريقة ما، لا يستبعد منها الإعدام.

أبعد من ذلك، دخل رفيق لنا في إضراب كامل عن الطعام رابطا فك الإضراب بالوعد بإحالتنا إلى المحاكمة. وقد كان ذلك.

إلى الآن لست أدري أي الخيارين (خيار عدم مطالبتنا بالإحالة إلى المحاكمة، الذي كنت أتمسك به، وخيار المطالبة بمحاكمتنا، الذي تم فعلا) يمثل الخيار الأفضل أو، على الأقل، الأدنى سوءا. ففي الخيار الأول كان من المحتمل أن يقرر معمر القذافي، في نوبة من نوبات غضبه وفي حُمَّى مناسبة ما، أن يعدم عددا منا. وفي الحالة الثانية كان هذا الأمر مستبعدا (3).

(1) كان عدد المتهمين ثمانية عشر متهما، اعتقل منهم ستة عشر شخصا، حكم على اثني عشر منهم بالسجن المؤبد وأفرج عن أربعة متهمين. وقد صدقت توقعاتي، باستثناء في ما يخص شخصا واحدا توقعت أن يفرج عنه، لكن كان من ضمن "المدانين".

(2) عمرو بن معدي كرب: "ذهب الذين أحبهم... وبقيت مثل السيف فردا"

(3) سنة 2012 اكتشِفت وثيقة من وثائق عصابات "اللجان الثورية" تحتوي حكما علينا بالإعدام من قبل "محكمة ثورية" نهاية سنة 1986 (أي بعد ثماني سنوات من اعتقالنا، وأكثر من خمس سنوات بعد صدور الحكم علينا). وعندما أبلغنا عبد الله السنوسي مساء 1. 3. 1988 بدأ بالقول أنه أعيدت محاكمتنا وصُعِّد الحكم من مؤبد إلى إعدام، لكن الأخ القائد بسعة صدره ورحمته... إلخ، ألغى حكم الإعدام وأمر بالإفراج. حينها بدا لي، وأعتقد لرفاقي، أنه افتعل الحكاية للمبالغة في إنسانية القذافي وفضله علينا.