Atwasat

الجزائر: «الحوار والردع» لا «المقاربة الخشنة»

رافد علي الخميس 28 أبريل 2022, 02:00 مساء
رافد علي

حسم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موقف حكومته من الأزمة الليبية إذ كشف عن تمسكه بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وتشديده على ضرورة السعي لعقد انتخابات ليبية في أقرب فرصة لإنهاء جدلية الشرعية بالبلاد، إذ قال "... الجزائر لا تعترف إلا بالحكومة التي تمتلك الشرعية الدولية وهي حكومة الدبيبة، ومن يريد أن يغيرها يغيرها بالانتخابات ولا شيء غير ذلك" جاء ذلك في تصريحات أدلى بها تبون للصحافة الجزائرية بعطلة نهاية الأسبوع الماضي.

تصريحات الرئيس الجزائري تأتي في خضم ما تشهده الدبلوماسية الجزائرية هذه الأيام من ارتفاع في المعنويات بسبب التطورات الدولية التي تصب في صالحها، كالحرب في أوكرانيا التي تمنح الجزائر موقفاً سياسياً تفاوضياً أقوى كدولة منتجة للنفط والغاز، إذ يتجاوز سعر برميل النفط المائة دولار، فى حين أن الغاز لازال يشكل قلقاً لأوربا الساعية إلى أن تجعل من الجزائر بديلا للإمدادات الروسية. إلا أن الجزائر لازالت ترفض تجديد عقد أنبوب غاز لإسبانيا بسبب تصريحات مدريد المتعلقة بالبوليساريو، مما يدفع إسبانيا لتلطيف الأجواء مع الجزائر، التى لازالت تحت ضغط اوربي لتقديم تنازلات سياسية بالخصوص لصالح الموقف الجزائري فى قضية الصحراء الغربية على حساب المغرب. كما أن الأوضاع الحالية في القدس تساهم في تعزيز الموقف الجزائري الرافض لسياسة التطبيع، إذ تثبت الأحوال أن أجيال ما بعد أوسلو لازالت متمسكة بأرضها وتناهض نهج الانبطاح لمشروع "صفقة القرن"، التي تعارضها الجزائر باعتبارها القيادة العربية الأخيرة في "جبهة الممانعة" بحسب تصريحات أبو الفضل بعجي، الامين العام لجبهة التحرير الوطني، الأمر الذي يدخلنا في إطار المعسكرات التقليدية الدولية، وشكل جديد من أشكال الاصطفاف والتداخل، وكذلك حالة التقارب الممتد بين روسيا وإسرائيل، وفى ظل التحديات التي تواجهها إيران المرتبطة مع الجزائر بعلاقات طيبة. تأتي كل هذه التطورات فى وقت تستعد فيه الجزائر لأن تكون مطلع الشهر القادم قبلة للمستثمرين الأجانب من أكثر من 36 دولة للمشاركة في ملتقى أفريقي للاستثمار والتجارة، بمشاركة دول كفرنسا وإيطاليا وسويسرا واليونان وروسيا، وستحل ليبيا ضيفة على فعاليات هذا الملتقى بحسب تصريحات أمين بوطالبي رئيس المركز العربي الأفريقي للاستثمار والتطوير لوكالة الأنباء الجزائرية السبت الماضي.

الرئيس تبون فى تصريحاته المتلفزة بخصوص ليبيا كان حريصاً على توضيح أن حكومته لن تسعى لوضع مبادرة سياسية جديدة تزيد من تشويش الحالة الليبية، لكنه بيّن أنه يسعى مع الدول التي تبارك حكومة باشاغا لأجل خلق تسويات سياسية تعيد دول الجوار للعمل في مسار موحد كما كانت عليه الأحوال قبل قرار برلمان طبرق بتسمية حكومة موازية تمارس وجودها السياسي بمنفاها الاختياري في تونس. هذه التصريحات تشير إلى أن الحكومة الجزائرية تعمل للتفاهم مع مصر لأجل كسر الجمود السياسي في ليبيا منذ رفض الدبيبة التنحي لصالح حكومة باشاغا المدعومة من برلمان طبرق والجنرال حفتر المسنود من القاهرة والإمارات. وعلى الطرف الآخر تشير بعض التقارير الصحفية في باريس إلى أن إجتماع الرئيس السيسي، الأحد الماضي، بالقاهرة مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إلى أن الأزمة الليبية كانت من ضمن القضايا التي تمت مناقشته، على هامش اللقاء المفاجيء للقادة الثلاثة، باعتبار أن الأزمة الليبية من "القضايا ذات الاهتمام المشترك بالمنطقة... ومن آخر المستجدات بالإقليم"، بحسب نص بيان الرئاسة المصرية، فأحداث الأقصى الشريف تأتي على هامش القضايا الأمنية التي تعد ليبيا مبعثا أساسيا لها بالمنطقة، وهو الأمر الذي يجسد الفكرة الرائجة بين العديد من المراقبين بأن "العرب في الميدان الليبي – تتضارب توجهاتهم- فدول المغرب تعمل على موجة مغايرة للمشرق"، إذ إن الجزائر لا تعول على "المقاربة الأمنية الخشنة" بسبب ما خبرته معها فى عشريتها السوداء، بل تعتمد على ثقلها الدبلوماسي الذي بات يعززه تلويحها بـ"إرسال" قواتها للخارج بعد تعديل دستورها الوطني.

حالة الازدواجية في الحكومات بليبيا لا تعد مؤشر طمأنينة لحدود الجزائر مع ليبيا بسبب الفراغ والفوضى والصراع على السلطة، كما أن فشل الدولة في مالي في احتواء أزمتها الداخلية مع الطوارق والإرهاب عامل آخر يربك صانع القرار الجزائري، بينما تعلق الجزائر الآمال علي سياسة "الحوار والردع" التي يتبعها الرئيس النيجري محمد بازوم، الذي ستحتضن بلاده قواعد البرخان الفرنسية بدول الساحل قريباً، والعازم علي إدماج نيجيريا في عملية عسكرية أفريقية لتأمين المنطقة. تظل المساعى العربية في الاصطفاف السياسي من جهة، والمساعي الحميدة من جهة أخرى نحو تطوير المواقف من الخطوات الهامة لكسر حالة الجمود السياسي الراهن في الأزمة الليبية، إذ يثبت الحال أن ساسة ليبيا غير مستعدين لكسره بذاتهم عبر تقديم تنازلات حقيقية لبعضهم البعض لأجل العبور بالبلاد لبر الأمان، فمفاتيح الهدوء والحلحلة باتت خارج نطاق أياديهم فى بلد تمزقه الصراعات والفوضى لسنوات، خرجت فيها الأزمة الليبية عن نطاق حدود الوطن وقدرات الساسة فيه بما يعزز حالة اللا استقرار لآجال مفتوحة.