Atwasat

التعصب يقتل الحب (قراءة في رواية)

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 أبريل 2022, 03:20 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

قرات مؤخرا، بالصدفة، رواية "اليهودي الحالي" للروائي اليمني علي المقري، الذي لم أحظَ بقراءة عمل له من قبل، ولم أكن أعرفه.

تدور أحداث الرواية في اليمن منتصف القرن السادس عشر، وتتمحور أحداثها حول العلاقة بين اليهود والمسلمين في هذا البلد.

لن نركز هنا على أدبية الرواية، وهي ذات مستوى راق من هذه الناحية، وكانت قد وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2011، وإنما سنتناول مسألة التعصب الديني الشديد بين أتباع هاتين الديانتين المتلاطم بين الطرفين، الذي يمثل نخاع الرواية.
يعرف** ماردن وماير التعصب بأنه " اتجاه يتسم بعدم التفضيل ضد جماعة معينة يحط من قدرها ومن قدر كل أعضائها". ويعرفه** روز على أنه "اتجاه سلبي نحو جماعة عنصرية أو دينية أو قومية".

لكن هذا التعصب الشديد بين اليهود والمسلمين، في هذه الرواية، يتعرض إلى عمليات اختراق، فاشلة، بفعل بعض حالات علاقات الحب التي تنعقد بين بنات اليهود وأبناء المسلمين، وبين البنات المسلمات والشبان اليهود. وتكون نتيجة بعضها انتحار الحبيبين، أو قتلهما.

في الرواية التي بين أيدينا، تتولد علاقة حب بين الشاب سالم اليهودي (اليهودي الحالي) والفتاة فاطمة بنت المفتي، من خلال تردد سالم على بيت المفتي لإصلاح الشبابيك والقمريات، ويشتد أوار هذا الحب فيقرران الزواج. إلا أن هذا الأمر مستحيل النفاذ في منطقة عيشهما، فيقرران الفرار بحبهما ليعقدا الزواج في منطقة نائية لا يعرفهما فيها أحد. وعبر رحلة طويلة مضنية وتوهان، يصلان إلى صنعاء ويلجأ سالم إلى بيت خاله، ويتفق سالم وفاطمة على إخفاء ديانتها، لأنهما اتفقا على أن يحتفظ كل منهما بدينه، وكانت فاطمة مثقفة ومتفتحة وعلى مذهب ابن عربي الذي يعتبر البشر جميعا من خلق الله بغض النظر عن الأديان، وأن القلب البشري المحب للإنسانية يحتضن الأديان كافة.

تحمل فاطمة وتموت أثر الولادة. وبعد دفنها في مقبرة اليهود يضطر سالم، في لحظة شفافية إنسانية إلى كشف ديانتها التي ظلت محافظة عليها سرا. فينبش اليهود قبرها ويعيدون دفنها خارج المقبرة. يأخذ سالم ابنه الرضيع إلى بيت خاله لتتولى زوجته رعايته، لكنها تطرده وتلقي بمقتنياته هو وفاطمة إلى الشارع، على اعتبار أن الطفل ابن مسلمة، كما تطرده أخت فاطمة نفسها على اعتبار أن الطفل ابن يهودي.

يقول سالم: "تعبت رجلاي وأنا أمضي من بيت يهودي إلى بيت مسلم، من تاجر إلى صائغ، ومن حاخام إلى فقيه.

"بالله عليكم، هل يجوز بدينكم وعرفكم ترك طفل عمره يوم، هكذا بدون رحمة، حتى يموت؟"

فلا اليهود ولا المسلمونن نظروا إلى الطفل الرضيع على أنه كائن إنساني بريء لا يعلم من هذه الأمور شيئا، وراعوا فيه كونه مخلوقا للإله الذي يؤمنون به.
_________________________
* علي المقري. اليهودي الحالي. دار الساقي. ط 6. 2018. مع ملاحظة أن "الحالي" هنا لا تعني المعاصر، وإنما تعني "المليح". وواضح أن مصممة الغلاف لم تقرأ الرواية، فوضعت على الغلاف صورة رجل بلباس معاصر.
** د. معتز سيد عبد الله. الاتجاهات التعصبية. عالم المعرفة ع 137. الكويت. 1989. ص 42-43.