Atwasat

أخلاق الحرب الليبية

نورالدين خليفة النمر الخميس 17 مارس 2022, 01:18 مساء
نورالدين خليفة النمر

تخيرتُ لكتابي الدي سيصدر هدا العام عنواناً من أحد مقالاته "ليبيا الحرب بلا عدو". وقد جلب العنوان إلى دهني رد السفير الأمريكي في ليبيا على سؤالين من قناة "الحدث" المصرية 31 ديسمبر 2021 حول "الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا"، وما مدى تأثير الحرب في أوكرانيا على تغيير موازين القوى في شرق ليبيا، في إشارة واضحة إلى الوجود "المرتزقي" الذي تمثلة وكالة "فاغنر" الروسية. فقد أشار السفير والمبعوث الأمريكي إلى تقارير تتحدث عن نقل مرتزقة وعناصر من مجموعة "فاغنر" من شرق ليبيا والشرق الأوسط إلى أوكرانيا، لكنه أكد عدم امتلاك بلاده "معلومات محددة" في هذا الشأن. وأضاف: "على مر السنوات القليلة الماضية لعبت روسيا دورا يؤسف له.. فوكالة المرتزقة الروسية باسم مجموعة فاغنر شبه العسكرية أسهمت في عرقلة الاستقرار ليس في ليبيا فحسب، ولكن في دول أخرى مثل أفريقيا الوسطى، متمنياً أن تلعب روسيا في ليبيا وبلدان أفريقية مهتمة بها دورا تجاريا واقتصاديا ودبلوماسيا مثل الدول الأخرى، ويعني الولايات المتحدة والبلدان الغربية التي لها مصالح جيوسياسية واقتصادية في ليبيا.

يبدو من خلال مجريات الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته أن هده الأمنية لن تتحقق .

فكما فاجأ الرئيس الروسى الغرب بالحرب، هاهو يفاجئهم بإقحام قوات المرتزقة الأجانب فيها، فقد وافق على مبدأ جذب المتطوعين من الخارج للمشاركة فى العملية العسكرية الدائرة الآن على مسرح عمليات دولة أوكرانيا بهدف دعم 150 ألف عسكري روسى يقاتلون في الحرب الضارية هناك. وقد صرح خلال اجتماعه مع مجلس الأمن الروسى أنه إذا كان هناك أشخاص يريدون الانضمام بشكل تطوعى، فنحن مستعدون لاستقبالهم ونقلهم إلى مناطق القتال فى أوكرانيا. بينما صرح وزير الدفاع الروسى بأن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط وأغلبهم من ميليشيات سورية ساهمت مع الجيش الروسي في حرب داعش في شمال سوريا أكدوا جاهزيتهم للمجيء إلى أوكرانيا والإسهام في القتال جنبًا إلى جنب مع القوات الروسية. وجاءت هذه التصريحات بعد أن أشار الرئيس الروسى إلى أن الممولين الداعمين للنظام الأوكرانى يعملون في الوقت الراهن على جمع المرتزقة من مناطق مختلفة بأنحاء العالم ونقلهم إلى أوكرانيا.

المتابعون المفكرون في حرب روسيا في أوكرانيا يلمحون إلى انزلاقها إلى حرب تنتفي فيها المظاهر الدنيا لأخلاق الحرب. فالمعتاد في الحرب الكلاسيكية، أن تُجرى صياغة هدفها المباشر بثلاث كلمات: الانتصار والتطهير والسيطرة. ومع ذلك، فإن أسلوب الرئيس الروسي المنفرد بقرار الحرب على أوكرانيا يقيس الفوز من خلال حجم الحطام المتراكم وأكوام القتلى المدنيين التي تخلفها وراءها. وبإضافة عنصر المرتزقة الأجانب سيزيد من التكلفة الإنسانية والأخلاقية الباهظة لهده الحرب.

وبخصوص إضافة عنصر المرتزقة الأجانب في الحرب الروسية على أوكرانيا يرى المحللون العسكريون بأن هناك سيناريويين لاستخدامها.
الأول هو انضمام هذه العناصر القادمة من شمال سوريا إلى المقاتلين فى الجمهوريات المستقلة فى جنوب أوكرانيا فى دونيتسك ولوغانسك للمحاربة معهم لاستكمال الاستيلاء على مدن ماريبول وأوديسا، وبالتالى السيطرة على جنوب أوكرانيا، على أن يتم نقل القوات الروسية الموجودة هناك فى اتجاه العاصمة كييف، وخاركيف وسومى فى الشمال لتسريع عملية الاستيلاء عليها. المقابل لإغراء المرتزقة السوريين بإسهامهم الفعال الأمل بالاستقرار فى هذه الجمهوريات الأوكرانية الانفصالية مستقبلًا بدلًا من العيش فى شمال سوريا. أما السيناريو الثانى فأن يتم استخدام هؤلاء المرتزقة ذوي الخبرة فى القتال في اتجاه العاصمة الأوكرانية كييف لسرعة الاستيلاء عليها، وبالتالى إسقاط الدولة وتعيين حكومة جديدة موالية لروسيا، حيث ستقوم هذه العناصر باختراق شوارع كييف مستغلة خبرة أفرادها فى القتال ضد كتائب داعش فى الشمال السوري، وبالتالى تقليل الخسائر فى القوات المقاتلة الروسية، خاصة أن هذه العناصر السورية تأتي من الفرقة 25 وكتائب البعث السورية.

بعد مرور قرابة الشهر إلا أن الثابت في الواقع أنه من الصعب معرفة ما دار في ذهن الرئيس الروسي، وهو يقرر الحرب على أوكرانيا. لكن الوقائع العملياتية على أرض المعركة كشفت عن أنه خطط لحربه تبعاً لقواعد الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي)، وليس من خلال استراتيجية عسكرية تقليدية. واعتمدت خطته الحربية على الاستخدام المكثف والعشوائي للقوة، وفي الوقت الذي يشعر فيه جنرالات جيشه المحترف بالقلق حيال الخسائر في صفوف رجالهم، ركز الرئيس الروسي على إحداث أكبر قدر ممكن من الخراب العام في المدن والعاصمة الآهلة بالسكان الدين يفرون منها. وهدا مايظهر أن الداخل الإنساني الأوكراني لاحساب له، فالرئيس الروسي لا يسعى لكسب القلوب والعقول، الهدف الذي يعتبره القادة العسكريون مهماً لتحقيق النصر.
وفي هده المسألة يخطر في الذهن الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" الدى كتب "الأخلاق العملية" فهو إذ يتناول موضوعة الأخلاق ومنع الحرب في كتابه "مشروع للسلام الدائم" يميز مفرقاً بين الفلاسفة الذين اقترحوا حلولاً لقضايا العالم وإشكاليات السياسة والحرب وبين ساسة الدول الموصوفين بمصطلح "البيروقراطيين" الذين عليهم تقع مسؤولية التعامل مع الحرب على أرض عملياتها العسكرية في الواقع .

على ما يبدو، يشكل قيصر روسيا إيفان الرهيب ومبدأه الترويعي في حروبه التوسعية الحتلالية المثل الملهم للرئيس الروسي في حربه، فهو يريد ترويع الأوكرانيين وإجبارهم على الخضوع المرير، كما فعلت قواته في مناطق داخل سوريا، حيث يتشبث هو وحلفاؤه بوهم القوة، متجاهلاً أن الحرب قرار سياسي يستمد مشروعيته من وجود عدو في الجهة المقابلة وتنفذه القوات العسكرية النظامية، ويغلفه مبدأ لا يخلو من وازع أخلاقي. ولكن حسب المجريات الحربية الروسية غير الأخلاقية بمشروعها المكبر في أوكرانيا نرجع بالداكرة التي يخترمها النسيان الليبي إلى المشروع الحربي المصغر الذي دعمته روسيا بالمرتزقة إلى نشوء قوات مُسمى الكرامة في الشرق الليبي من التدمير الشامل لمدينة بنغازي أعقبته مجريات حربية محدودة في جنوب ليببا، ثم التتويج بالعدوان على العاصمة طرابلس 2020 ـ 2021. فقائد مُسمى الجيش الليبي الذي قاد لحساب قوى إقليمية وبمساندة تكتيكية من طرف مرتزقة فاغنر الروسية الهجوم العسكري الفاشل على طرابلس بميليشيا بقايا كتائب النظام الدكتاتوري الساقط بالثورة الشعبية 2011 ، فهو أيضاً غلف حربه بشعار الحرب على الإرهاب الذي زعم أن ميليشياته تحتل العاصمة طرابلس. ولكن من تابع مجريات الاعتداء تأكد أن قذائف طائرات الميج الروسية التي مولت شراءها دولة الإمارات وقادها إلى أهدافها العشوائية مرتزقة فاغنر الروس وصواريخ كتائبه المنطلقة من ترهونة والأصابعة وقبائل العُربان، لم تسقط على معسكرات الميليشيات، بل طالت دفعة كاملة من الطلبة المتدربين في الأكاديمية العسكرية بضواحي العاصمة طرابلس.