Atwasat

حرب فائقة البرودة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 06 مارس 2022, 12:18 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

ما انفك الإنسان، منذ بداية تميزه عن المملكة الحيوانية من خلال استخدام الأداة وتكوينه التجمعات البشرية المنظمة وتوزيع الوظائف والمهام داخلها، يطور أدوات القتال وقدراته الحربية. فمن القتال الأعزل، إلى استخدام العصي وقذف الحجر، إلى استخدام الرماح ثم السهام ولاحقا السيوف، إلى ما نشهده الآن من الصواريخ بعيدة المدى.

لكن التطور الجديد الذي وفرته التقنية الحديثة ذات القدرات الخيالية، هو الحرب دون أسلحة تقتل عشرات آلاف البشر وتشرد مئات الآلاف وتدمر البنايات الضخمة والبنى التحتية الحيوية وتحولها إلى خرائب.

معروف أنه بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفياتي بداية التسعينيات وزوال المنظومة الاشتراكية واختفاء حلف وارسو، نشأت ظاهرة ما يعرف بالحرب الباردة، التي تتسم، من جانب، بالحرب الإعلامية المتبادلة والاستقطاب الدولي، وحروب الوكالة، من جانب آخر.

لكننا الآن نشهد بدايات حرب باردة جديدة، عالية البرودة، غير محتاجة إلى حرب إعلامية متبادلة ولا إلى حروب بالوكالة، وهي الحرب الإلكترونية، أو السيبرانية، التي تهاجم المنظومات الإلكترونية الحساسة لدى العدو، فتعطل أجهزة الردار ومنظومات السلاح المتقدم والبنى التحتية المعتمدة على التقنية الإلكترونية، بحيث يمكن لهذه الهجومات تعطيل محطات الكهرباء والمؤسسات الاقتصادية والشركات، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى المنظومات المتعلقة بأسرار الدولة على أعلى المستويات.

فلقد سبق للرئيس الأمريكي، جو بايدن، منتصف سنة 2021، التحذير من إمكانية تصاعد الهجمات السيبرانية إلى حرب شاملة جراء التوتر بين واشنطن من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، بسبب سلسلة من الهجمات القرصنية السيبرانية التي استهدفت الوكالات الحكومية والشركات والبنية التحتية الأمريكية. عام 2011، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكي أن الهجمات السيبرانية تعتبر "عملاً من أعمال الحرب".

ومن أمثلة الهجوم السيبراني على مشاريع اقتصادية حيوية، الهجوم على خط أنابيب كولونيال الأمريكي في مايو 2021، الذي يحمل البنزين ووقود الطائرات المكرر، إضافة إلى تلبية احتياجات الطاقة للمستهلكين في المنطقة الشرقية من الولايات المتحدة، الأمر الذي أجبر أمريكا على إغلاق شبكتها، التي تخدم حوالي 50 مليون مستهلك في جنوب وشرق الولايات المتحدة.

هناك أيضا الهجمات الإيرانية – الإسرائيلية المتبادلة: حيث أدى هجوم إسرائيلي سيبراني في 26 أكتوبر من عام 2021، على نظام توزيع الوقود في إيران إلى شلل محطات الوقود في البلاد البالغ عددها 4300 محطة، واستغرق إصلاح هذا الضرر إصلاحا تاما 12 يوماً، وقد ردت إيران بشن هجوم على منشأة طبية إسرائيلية كبرى.

كما اتهمت إسرائيل إيران بمحاولة شن هجوم على نظام المياه الإسرائيلي في 2020، تسبب في تعطيل محدود. وقد ردت إسرائيل على هذه المحاولة بشن هجوم على البنية التحتية لميناء بندر عباس، تسبب في تعطيل أجهزة الكمبيوتر في الميناء، وترتب على ذلك ازدحام السفن أمام ميناء الشهيد رجائي لأميال.

وهذا يدل على أن العالم مقبل على معاناة حروب غير مسبوقة.