Atwasat

مِشوار

صالح الحاراتي الخميس 03 مارس 2022, 12:40 مساء
صالح الحاراتي

مِشوار والجمع مشاويرُ. المِشْوَارُ: عودٌ يُجْمَعُ به العسل. والمِشْوَارُ ايضا وَتَرُ المِنْدَفِ
كما هناك معان أخرى. ولكن المقصد هنا هو (المسافة التى يقطعها الإنسان، جولة قَصِيرَة مُحدَّدَة).
وبهذا المعنى فالمشوار قد يكون ناجحا ويحمل على متنه طموحات كبيرة، وتوقعات كبيرة، ومصالح تريد اغتنامها، ولكن للأسف أحيانا ينتهى مشوارك بخيبة أمل لأنه لم يحقق لك ما كنت تتمناه، ولكن لابأس.. فلا شيء فى هذه الحياة يكون على صورته المثالية وربما تتحقق بعض الأمنيات التي ترضي توقعاتك بشكل نسبى، وذلك يغنيك عن وهم المثال ويعيدك إلى جادة الواقع .

خرجت منطلقا إلى ما ظننت أنه مكان للمعرفة قاصدا زيارة معرض الكتاب بطرابلس.. كان الجو باردا واعتبرته مناسبا لرياضة المشي.. مشيت مسافة لا بأس بها، وعندما قررت أن أتوقف طلبا لسيارة أجرة لأكمل المشوار، لم يكن الأمر متيسرا كما ظننت.. مرت السيارة تلو الأخرى وأنا أشير لهم ولم يتوقفوا. ولكن لم يفتهم أن يرفعوا أيديهم لي ويعتذروا عن عدم التوقف.. وبعد زمن توقف أحدهم ونادانى اركب بسرعة. فقد كانت السيارات تحثه للتحرك باستخدام آلات التنبيه بشكل مزعج.. جلست بجانب السائق.. شاب عشرينى وسيم، حلاقته وملابسه على الموضة.. أخذ يشكو من السيارات الأخرى التى أطلقت "كلاكساتها" قائلا أنا أبحث عن رزقى من السادسة صباحا وأولئك موظفون راتبهم مضمون ولا يذهبون لأعمالهم ولا أعرف سبب استعجالهم!!

قلت له "ربى يعاونك .... قطع حديثه رنة من هاتفه. كان سيصدم سيارة أمامه، نبهته فتفاداها. لم يرد على الهاتف.. مع الرنة الثانية رد وانتابته حالة غضب شديد وظهرت شخصية عدوانية غير التى أخذت انطباعا أوليا عليها، وفهمت بحكم الخبرة فى "التقصقيص" أنه فى حالة عراك مع زوجته التى أفهمته أنها طلبت منه الحضور للبيت قبل صلاة الظهر لإحضار ما يلزم لكي تعد له وجبة الغداء.. فقال لها.. ساهلة.. وطلب منها الذهاب إلى بيت أهلها..!!

توقف فجأة، فاصطدمت به سيارة اصطداما بسيطا.. نزل من السيارة وتركها فى منتصف الطريق وهو يلاحق السيارة الأخرى مزمجرا. لم أسمع ما قاله، ولكني رأيته يضرب السيارة الأخرى برجله.. وعاد مسرعا، وانطلق مجددا. ثم قال لي لابد أن أفعل ذلك حتى لا يكررها مرة أخرى.. فقلت له وأنا مذهول "وسع بالك".. قال لى "هادو حمير ما ينفعش معاهم وسعة البال، تسكت يركبوك بعدين"!!

نبهته أن يتجه إلى اليمين حتى نخرج من هذا الحوار الأعرج فقال: نعرف نعرف.. عندما اقتربنا من المكان الذي أقصده قلت له "توقف هنا.. أنا وصلت شكرا". أعطيته أجرة المشوار ونزلت أحمد الله أن الأمور انتهت بسلام .

قطعت الطريق متجها لمكان معرض الكتاب.. وعند المدخل زادت توقعاتى بأن الحدث كبير خاصة بملاحظة اللافتات الكثيرة والكبيرة المعلقة وهي تعلن أن وزارة الثقافة هى المشرفة على المعرض... خطوات ووصلت إلى السرادق الكبير "الخيمة" الذي يحوى أجنحة المعرض.. بدأت جولتى فى أروقة المعروضات والأجنحة المتواضعة، حتى عثرت على ركن مخصص لدار الرواد وسعدت بوجود كتاب "سجنيات" للصديق "عمر الككلى".. اقتنيته وطلبت كيسا، فاعتذر البائع وأبدى أسفه لعدم وجود أكياس لديه .

استكملت جولتى فى باقى الأجنحة.. وفي جناح مكتبة الوليد وجدت كتابى "لا إكراه". أخذت نسخة، رغم ملاحظتى أن السعر أعلى من السعر فى المكتبات خارج المعرض !!

أكملت جولتى ولم يستهونى شيء آخر.. خرجت ووقفت أمام مدخل المعرض انتظارا لسيارة أجرة. توقف أحدهم، سألني عن وجهتى ووافق.. لاحظت أن سيارته تكتظ ببضاعة فى صناديق مختلفة الأحجام ولم أتبين طبيعتها منها صندوق كبير أزاحه السائق عن الكرسى الأمامى لأجلس أنا بجانبه..

انطباعى الأول هذه المرة أن السائق شخصية مركبة ومعقدة وحزينة ومكفهرة الطلعة، فقلت فى نفسى يا لحظى اليوم سائق متهور فى الذهاب وسائق كئيب فى العودة!! لم يتحدث مطلقا، وعندما نتوقف في أي زحام، يضع رأسه على مقود السيارة وكأنه فى حالة تعب وإنهاك، وعندما ينتبه ينطلق بقوة ليتبع طابور السيارات التي أمامه.. كنت متوترا لأن شعورا انتابنى وحدسا داخلىا بأنه ربما يكون متعاطيا لبعض الممنوعات ..!

استمررت فى حرصي وانتباهي حتى اقتربت من مكاني.. طلبت منه التوقف. نزلت وأنا أحمد الله على مشوار اليوم الذي أجمل ما فيه حصولي على كتاب "سجنيات" الذي أستمتع بقراءته الآن.