Atwasat

«زميطة!»

صالح الحاراتي الأحد 27 فبراير 2022, 11:36 صباحا
صالح الحاراتي

"الزميطة" نوع من الطعام التقليدي فى بلادنا وأساس مكوناته الشعير... ولنبدأ بإلقاء نظرة على الشعير"موردنا الطبيعى" قبل الدخول فى موضوع العنوان. فى بلادنا التى يتراوح مناخها بين مناخ البحر الأبيض المتوسط والمناخ شبه الصحراوى؛ تكون زراعة الشعير هى الأكثر ملاءمة من القمح ، كما أن العائد الاقتصادي من زراعة الشعير يعد مرتفعا بالمقارنة بالقمح؛ خاصة لو تمت زراعته اعتمادا على المطر مما يساعد على انخفاض تكاليف الإنتاج، ولذا كان دقيق الشعير هو المرتكز الأصيل لعدة أنواع من الطعام المستخدم ببلادنا فى زمن ما قبل عصر النفط.

لا تنفصل ثقافات الشعوب في الطعام عن ثقافة المجتمع العامة، فكل مجتمع يحاول تأصيل هويته بانفراده بثقافة طعامه التي تختلف عن الآخرين.

كما لا يمكن إنكار علاقة الطعام بثقافة أي مجتمع و (موارده الطبيعية) وطبيعة البيئة التي يسكنها.. فمعلوم أن الهمبرغر والكنتاكي يشيران تلقائياً في أذهاننا إلى أميركا، والبيتزا والاسباغيتى إلى إيطاليا، وعند ذكر المكسيك نستدعي الفاهيتا واليابان السوشي، وهكذا.. ولعلنا هنا نتذكر عندما قامت منظمة اليونسكو بإدراج الكسكسي ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي لعدة دول مغاربية ولم تذكر ليبيا، ثم تداركت الحكومة فى ليبيا وقامت بإتمام بعض الإجراءات لتتم إضافتها لتلك الدول.. وكان يفترض أن يتم توثيق كل ما هو خاص بالمأكولات التقليدية الليبية، وليس فقط الأكلات، ولكن كل شيء حول الأكل، من ممارسات وعادات.

وأظن أنه حان الوقت لكي نسعى لإدراج "البازين" و"الزميطة " و "المثرودة" و "الفتات" و "العصيدة" أيضا ضمن قائمة التراث الثقافى غير المادى في ليبيا.. والعمل على رفع الوعي حول أهمية الحفاظ على تراثنا الغذائي الذي يعد جزءا من هويتنا الوطنية.. نعود إلى شيء من التفصيل حول "الزميطة"، فنجد لغويا أن فعل زَمَطَ يعني ابتلع أو ازدرد فيقال: " زمط اللقمة بسرعة".

ومن هنا أظن أنه تم اجتراح اسم "زميطة"، ولهذا أراه أوفق من اسم "زميتة" الذي ينطقه البعض،لأن ذلك يذهب بنا إلى معنى آخر وهو المتزَمِّتُ، أي المتشددُ في دينه أو رأْيه والمُتَزَمِّتٌ في موقفه، وأظن أن ليس هناك علاقة بين الزميطة والتزمت والتشدد، ولذلك لفظ الزميطة هو الأصوب. ثم نأتي فى هذا السياق إلى ما نقوله بلهجتنا المحلية "عبود زميطة"، فتبدو كلمة "عبود" مشتقة من (العبد)، أي الإنسان، غير الحرً أو المملوك.. عبَّد فُلانًا: استعبده؛ اتّخذه عبدًا، ولكن هناك معنى آخر قد ينطبق على أصل تسمية "عبود الزميطة "… يقال عَبَّدُوا الطَّرِيقَ: أي جَعَلُوهَا مُمَهَّدَةً... و"المُمَهَّدَةً" هذه هى بيت القصيد، وهو ما يحدث تماما عندما تأخذ حفنة من الزميطة وتدلكها جيدا حتى تصير كتلة اسطوانية، أي لقمة متماسكة قابلة للأكل والبلع، ولابأس إن رافق ذلك إضافة شيء من العسل أو رشفة من الشاي لتتم العملية بكل يسر. أما بخصوص مكونات "الزميطة" فهي عبارة عن حبوب الشعير المجففة التى يتم تحميصها على "القلال" أو "الحمًاس" على نار هادئة.

وبعد ذلك يتم "تهريسها ونسفها" وتطحن مع إضافة قليل من الملح والكمون والبسباس "الشمر".

وهناك من يضيف لها الزعتر اوالكليل، ثم تطحن بعد ذلك في الطاحونة. هناك طريقتان لتحضيرها .. الطريقة اﻷولى، وهى غير المتماسكة أو المفتتة "مفترشة".. حيث يؤخذ قدر من الزميطة ويضاف الماء حتى يتوزع على الكمية مع التحريك تم يضاف زيت الزيتون ويتم تحريكها حتى يتخللها بشكل ملائم. وهناك من يرش قليلا من السكر، وغالبا يقدم معها كوب من الشاي.. والطريقة الأخرى المتماسكة، أي "عبًود الزميطة" الذى يشبه شكل أصابع الكفتة الصغيرة، حيث يضاف لها الماء وتعجن إلى أن تتماسك وتتحول إلى كتلة ثم تقطع لأجزاء ويضاف لها زيت الزيتون .

مما سبق يتبين لنا أنها سريعة التحضير ومكوناتها محدودة، وكانت فى زمن مضى مناسبة ورفيقة لكل من عزم الترحال أوالحج وما إلى ذلك من أحوال، فصلاحيتها تمتد لزمن معقول وهى وجبة غذائية جيدة لأنها تحتوي على الألياف التي تعطي الجسم الشعور بالشبع لأطول فترة ممكنة، كما تحتوي على العديد من العناصرالمضادة للأكسدة المفيدة للجسم، وكذلك تحتوي على نسبة عالية من الزنك الذى يساعد على تنشيط الجهاز المناعي بالجسم، وبالتالي تناول زميطة (الشعير) بمعدل منتظم يحفز جسم الإنسان على التغلب على المشاكل والأمراض التى يتعرض لها الجسم.

الخلاصة، أن الزميطة تعكس الخبرات الإنسانية لمجتمع محدود الإمكانيات لكى يبدع طعامه لتستمر الحياة، وهي من الوجبات المشتركة لمختلف الطبقات الاجتماعية والانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية، وربما تساهم في تأسيس يومي ومستمر للمشتركات داخل المجتمع، مما يرسخ ويجمع شتات أفراده حول طعام هو جزء من مكونات هوية ثقافية وطنية جامعة.