Atwasat

البرلمان يحسم على ملعبه الشوط الثاني من مباراة جنيف

بشير زعبية الجمعة 11 فبراير 2022, 07:07 مساء
بشير زعبية

مرة أخرى أقول إن اختزال حل أزمة السنوات العشر، بكل ما حملت، وما زالت تحمله من متناقضات وتعقيدات سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، مع تداعياتها الإقليمية والدولية، في تشكيل حكومة هو ضرب من الوهم، والمخاض الكاذب، سواء خرجت هذه الحكومة من قبعة الأمم المتحدة، أم من تحت قبة البرلمان، مع ارتياحنا كون ما يجري ما زال منحصرا في إطار الصراع السياسي، بعيدا عن لغة التلويح بالسلاح.. فمنذ العام 2011 شهدت البلاد تشكيل مكتب تنفيذي، وخمس حكومات متعاقبة، بينها نتاج محلي، وأخرى نتاج الخارج، لكن الأزمة بقيت تتفاقم، ويدور أطرافها في دائرة مفرغة بين تجاذبات الداخل، وتدخلات الخارج، حتى وصلت ذروة التعقيد والعنف إلى دخول البلاد في عديد الحروب الأهلية، إحداها الأشرس، في تاريخها القريب، والمتوسط، في ما سميت بـ «حرب العاصمة».

ظلت هذه الحالة قائمة وستظل لمدد أطول طالما ظلت شروطها قائمة، وعلى رأسها فقدان الثقة بين أطرافها، بل بين الليبيين -إن صح القول- وظل استشراء الفساد، ونهب المال العام، وسيادة المنطق الجهوي، والاحتكام إلى مبدأ المغالبة، والتأسيس لقاعدة المحاصصة، وانتشار السلاح المنفلت، وسيطرة التشكيلات المسلحة على الأرض خارج مظلة الدولة، وإن قيل غير ذلك، مع ارتباك اقتصاد البلاد، ووضعها المالي الذي بقي تحت رحمة الصراع، واستعراض القوة، وما أنتج كل ذلك من انقسامات، رافقه «تسونامي» خطاب كراهية، ما انعكس سلبا غير مسبوق على النسيج الاجتماعي في ليبيا، سيأخذ ترميمه وقتا لن يكون قصيرا..

لا أعتقد أنه سيكتب لأي حكومة النجاح، مهما أطلقت من وعود وردية، وعززتها بالمنح والعطايا لشعبها، أو لبعضه، طالما بقي تشخيص الأزمة الحقيقية للبلاد على ما هو عليه، هذه البلاد التي أشبهها بالعمارة المنهارة، ولا يمكن تقاسم الأمكنة بشكل عادل، والإقامة فيها، قبل إعادة بنائها بالكامل، على أسس سليمة ثابتة قابلة لأن يعيش فيها سكانها في ظروف صحية، يحكمها العرف والقانون والمصير المشترك..

وبعيدا عن الأسماء، ومشاعر الاحتقان والإحباط من قبل هذا الطرف الذي خسر الكرسي وفريقه، والاحتفالات الراقصة لذاك الفريق المرحب برجل الكرسي الجديد، ستطير «السكرة، وتأتي الفكرة» كما يقال، وأعود ولأطرح هذه الحزمة من التساؤلات التي يشاركني فيها لا شك كثيرون غيري:

أولا/ ما مدى قدرة أي حكومة جديدة على تحديد أولويات الحل، والتعامل مع عمق الأزمة وسط هذا المناخ الملبد في الداخل ورياح الخارج المؤثرة؟

ثانيا/  كيف يمكن العمل على إعادة الثقة بين الليبيين، وتحصين السلم الاجتماعي؟ ثالثا/ كيف نحاصر «جائحة» النهب المستشرية، ونحاصر «فيروس» الفساد الثابت منه، والمتحور؟

رابعا/ كيف نعيد بناء مؤسسات الدولة، ونوحدها على قاعدة التوافق العام، والتوزيع العادل للمرافق، والخدمات؟ كيف نلملم اقتصاد البلاد، ونحافظ على تماسك وحماية ثروتنا النفطية، مصدر الدخل الوحيد للبلاد، واضعين بين أعيننا حق وحصة الأجيال القادمة من هذه الثروة؟

خامسا/ كيف نستطيع أن نوقف هذا الاصطفاف السياسي المشخصن منه، والمؤدلج الذي كان سببا رئيسا في دفع الأزمة إلى مزيد التعقيد والغموض، وفتح الباب واسعا أمام تدخلات الخارج بتأثيراته المتشعبة؟ كيف يمكن التعامل مع هذه الآلاف من العناصر المنتمية لمئات التشكيلات المسلحة، وكيف السبيل إلى نزع فتيل الصدام بين بعضها في إطار الصراع على النفوذ والسيطرة، والزعم بأنها تعمل تحت شرعية الدولة؟ وكيف نمكن بالمقابل الدولة من احتكار السلاح، والعنف، أو المجاهرة بالأمن، عبر بناء مؤسستيها العسكرية، والأمنية؟

سادسا/ ما الذي يمكن أن نقدمه إلى الخارج لنثبت أنها دولة يمكن الرهان على التعامل معها، شأنها شأن بقية دول العالم، حتى يمكن إقناعها بالكف عن التدخل السلبي في الشأن الداخلي للدولة الليبية، وترك الليبيين يعيدون بناء دولتهم، وفق مقتضيات العصر؟

 وأخيرا كيف نكذّب ما حصل في البرلمان اليوم، لم يكن سوى حسم الشوط الثاني من «مباراة» بـ «ريمونتادا» الفريق الذي كان متوقعا فوزه في الشوط الأول، وخسرها في الدقيقة التسعين، بلغة الكرة، أسماء اللاعبين هي نفسها، ومن خسر على ملعب جينيف، يقلب النتيجة الآن في ملعب البرلمان! ومشككو الأمس في النتيجة، يخرجون الآن مهللين لها.. هل سيعاد سيناريو حكومة تدعمها الأمم المتحدة (السراج)، وأخرى يتبناها البرلمان (الثني)؟..

هذه حزمة من الأسئلة المشروعة أدرك أن أي حكومة قائمة، أو لاحقة لا تملك بالقطع الإجابة عنها بأفعال على الأرض، لكنها تبقى الأساس المنطقي والطبيعي الذي يجب أن تسخر، وتوظف له القرارات، ويكثف الجهد التوافقي العام لإنجازه.. فلا الشخصنة، ولا المغالبة، ولا إحباط المنسحب والنادبين حوله لما يعتبرونه «ظلما»، ولا فرحة القادم، ولا الراقصين من حوله، بما يرونه انتصارا، يمكن أن يوفر شروط حل الأزمة والشروع في إعادة بناء الدولة، دولة كل الليبيين، دولة المؤسسات والقانون، والتعدد، واحترام حقوق الإنسان، وتفعيل الأجهزة المحاسبية، والرقابية لحماية المال العام، وتصويب الأداء الإداري، بما يعزز ثقة المواطن في دولته، ويعمل من أجل رفع معاناته، وتحسين ظروف عيشه.. وهذا لا يبدو متاحا للأسف على أيدي المتصدرين للمشهد الآن، وفق تجارب السنوات التي مضت، وقد رأينا في وجودها، ومدى تأثيرها كيف أطاح حفنة منهم بآمال أكثر من مليونين ونصف المليون ليبي في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإنجاز استحقاقهم الانتخابي، الذي كان يمكن أن ينتج حكومة يتوفر فيها الحد الأكبر من التوافق العام.