Atwasat

الكفاية الانتخابية

نورالدين خليفة النمر الخميس 06 يناير 2022, 11:21 صباحا
نورالدين خليفة النمر

يعتبر مفهوم الكفاية الانتخابية ، من المفاهيم غير المدققة، بل محط جدل أهم إشكالياته إدماج المعيار الأخلاقي من عدمه في تعريف هذه الكفاية، وبإهمال المعيار الأخلاقي إلى حد التفريط في المباديء القيمية التي تنهض عليها أسس المشاركة السياسية. نعود إلى واقع السياسة الذي أظهرته الانتخابات الليبية المؤجلة بما ربطه الفيلسوف توماس هوبز بسلوك الناس في المجتمع الطبيعي ـ الوحشي بالتعبير الخلدوني ـ بما يوافق مصالحهم بل الأحرى أنانياتهم.

التزوير المُسبق كان الملمح الرئيسي لاختلال القيم في المجتمع الليبي وقد وصفه رئيس المفوضية بالخلل الكبير الذي لوحظ في مستندات الترشح فيما يتعلق بالتزكيات، حيث كان بها تزوير في التوقيعات وأسماء المزكين، وتم استبعاد 12 ملفا لهذا السبب.. وأشار إلى أن التزوير كان مفضوحاً للعيان، ولا يحتاج حتى إلى خبير خطوط لإظهاره. بل التزوير تمادى فطال صحة الشهادات العلمية التي قدمها المترشحون. التزوير الجنائي الفادح كان أيضاً في مستندات المترشحين لعضوية البرلمان، فقد أشار رئيس المفوضية في تصريح سابق إلى أن المئات من المترشحين مدانون بجرائم سرقة ومخدرات وزنا.

إن إضمار نية التزوير كان واضحاً في التلاعب بمسألة وقت الترشح بالمماطلة في التقدم حتى الساعات الأخيرة لتلافي التدقيق والمراجعة، فأشار رئيس المفوضية إلى تلقيها في آخر 48 ساعة قبل إغلاق باب الترشح 60 طلبًا، بينما طوال أسبوعين لم تتلقَ سوى 40 طلبًا تقريبًا، وكان أمامها يومان فقط للمراجعة، وهما غير كافيين للتدقيق في المستندات المقدمة.

نقطة سلبية أخرى تلك التي أحاطت بالأحكام المتعلقة بمرشحي الرئاسة التي نظرت من الناحية القانونية في الشكل، ولم تنظر في الموضوع، كما أنه جرى النظر في 26 طعنًا فقط في اليوم الأول، ومهما بلغت إمكانات المفوضية فلن تتمكن من النظر في كل الطعون.

التزوير عموماً كمطعن أخلاقي في الانتخابات والمترشحين لها، حتى في الحالة الليبية التي تسيطر عليها ماوصفه رئيس المفوضية بـ "القوة القاهرة"، لا ينبغي التركيز عليه باستبعاد ضروب التزييف الاجتماعي التي تحيط بالعملية السياسية برمتها. كما أن طرح سؤال الأخلاق، وإفراده بمكانة خاصة في السياسة دون الأنشطة الإنسانية الأخرى يعني وكأن السياسة هي المجال الأكثر قابلية من غيره من الأنشطة الاجتماعية لآن تنعدم فيه الأخلاق .

ماينبيء بأن وراء الحقيقة الصادمة للتزوير ضغوطات اجتماعية وسياسية تمثل ترافق إحاطة رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بمظاهرة أمام مقر برلمان طبرق دعا المتظاهرون في بيانها إلى إعلان قائمة مرشحي انتخابات الرئاسة في الخامس من يناير الجاري دون إقصاء لأحد مهما كانت الدواعي. وهم ضمنياً يعنون التحفظات التي أبدتها المفوضية ومنها الأخلاقية التي تمس سلوك المترشحين لمنصب الرئاسة والعضوية البرلمانية لانتخابات 24 ديسمبر 2021 التي تقرر تأجيلها لعديد الشبهات الأخلاقية.

وبالرجوع إلى معيار العقلنة الذي طرحه ماكس فيبر، فنحن نعيش في عالمٍ نسبي ذي قيم متضادة، حيث لا يجوز اعتبار قيمة بعينها صالحة موضوعياً بمعزل عن غيرها، لم تعد الأفكار حول حياة سياسيّة مبنيّة على قيمة أخلاقيّة واحدة ممكنة. عند هذه النقطة، ليس بالإمكان المرافعة عن السياسة التي تصنعها الديمقراطية حتى في أدنى مظهرياتها، كما هو الحال في ليبيا، إلا على أساس الإجرائيات، وهذا يعني التأكيد على أهمية الآليات التي تسهّل المنافسة بين القيم المتنافرة. أي، بمعنى آخر، حرّية الاختيار في عالم مُعقلن. من هنا تنطلق أهمية الديمقراطيّة كمكوّن حيوي للإصلاحات المؤسساتية اللازمة للحفاظ على الثقافة السياسيّة المؤسسة لمجتمع ديمقراطي مدني.

لقد وصف رئيس المفوضية حالة التهديد التي تعرصت لها مؤسسته بالقوة القاهرة، وهذا التهديد تمثل في أن الأحكام التي صدرت بحق المتقدمين بأوراقهم للترشح لرئاسة البلاد اصطدمت بواقع سياسي ورفض من معظم الأطراف السياسية، وحالة الرفض مثلت نقطة مفصلية في مرحلة الطعون، حيث خلقت واقعا سياسيا جديدا مما أدى إلى اعتراض عديد الأطراف السياسية.

إن الأفعال المنافية للأخلاق، كالتهديد والتزوير والتضليل، تخترق كل الحدود، بحيث توجد في السياسة وفي غير السياسة. صحيح أن السياسة كثيرا ما تتسرب إليها سلوكيات لا تمت إلى الأخلاق بصلة، ولكن هذه ليست صفة خاصة بها. وهذه القضية من الأهمية بمكان، لأن السماح بتشويه سمعة السياسة جملة وتفصيلا يؤدي بالضرورة إلى ما يسمى بالعزوف عن السياسة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى ضمان استمرار هيمنة السياسيين غير الأخلاقيين إلى ما لا نهاية.
أحد المترشحين للانتخابات المؤجلة 24 ديسمبر 2021، المطعون في أخلاقيتها د. محمد أحمد الشريف، وزير التعليم، والأمين العام لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية سابقاً. بعد تخرجه من الجامعة الليبية التحق بجامعة شيكاغو ومنها تحصل على درجة الماجستير في فلسفة الأخلاق في يونيو عام 1963. عام 1965 أوفد لجامعة هارفرد للحصول على درجة الدكتوراة 1970. تم اعتقال الدكتور الشريف والزج به ضمن أنصار النظام السابق الذين قاموا بأدوارهم السياسية حتى سقوطه أكتوبر 2011 ، وتم الإفراج عنه من سجن الهضبة الخضراء بطرابلس في يونيو 2016 بعد أن ألغت المحكمة العليا في 28 يوليو 2015 الحكم الصادر في حقه بالسجن لمدة 12 عاما، بسبب حالته الصحية المتأزمة. ومنذ ذلك الحين أقام بالعاصمة الأردنية عمّان، متفرغاً لنشر مؤلفات الغزالي وتحوي السلسلة أخلاقياته كـ: بداية الهداية، والمنقذ من الضلال، وميزان العمل، إلى جانب أطروحته (نظرية الفضيلة عند الإمام الغزالي) نشرتها عام 1975جامعة ولاية نيويورك. قرار ترشحه للانتخابات جاء بعد لقائه عدداً من قادة الأحزاب والتيارات والمنظمات وشيوخ القبائل والمكونات الاجتماعية الأخرى، إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات المستقلة التي دعته إلى ضرورة الترشح للانتخابات القادمة من أجل إنقاذ ليبيا مما تمر به من فترة حرجة في تاريخها الحديث والحفاظ على نسيجها الاجتماعي الذي غدا مهدداً بالانقسام نتيجة التدخلات الخارجية وحالة التشرذم الذي يشهده الوطن.