Atwasat

صلابة الانتخابات الهشة

نورالدين خليفة النمر الخميس 02 ديسمبر 2021, 03:32 مساء
نورالدين خليفة النمر


المابعدية ثورة في نظرية السياسة العامة، و كونها طريقة في التفكير، فهي بذلك تؤسس للباراداغم المابعدي “The Post-Paradigm” فتتجاوز الحدث المُقرر وقوعه وتنظر براغماتياً فيما بعده، أي تداعياته . والوضعية المعبرّة عن الحالة قرار المجتمع الدولي ممثلاً بالدول الغربية الفاعلة في المصير السياسي الليبي منذ عام 1949 مهما كانت علائم القصور والنتائج المترتبة عنها. عقدُ انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا يوم 24 ديسمبر 2021 بطرائق سياسة حافة الهاوية أي: محاولة تحقيق نتيجة مفيدة عن طريق دفع الأحداث التي تُضمر مخاطر إلى حافة الصراع النشط بين الأطراف المتنافسة.

هذا ما حدث في جلستي مجلس الأمن المنعقدتين حول ليبيا 23 ،24 نوفمبر 2021 بأن غطت على استقالة مندوب الأمم المتحدة إلى ليبيا، التي هُمشت فيها إحاطته التقليدية.لتبرز إحاطة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول الوضع الحقوقي في ليبيا.

فقد انصبت ردود أفعال الدول المهتمة بانتخابات ليبيا المزمعة على نتائجها، التي تكرّس لمدنية وديمقراطية الدولة والعدالة والحقوقية الإنسانية. فكان تركيز كلمات وفود امريكا وبريطانيا وايرلندا وفرنسا على ملف الانتهاكات الإنسانية، والمطالبة بمثول المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب اأمام العدالة، وكذلك مثول المتهمين بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية من أركان النظام الساقط بالثورة الشعبية الليبية 2011. وبعضهم ترشح لانتخابات 24 ديسمبر 2021. فتم نتيجة لهذه المطالبة الضاغطة استبعادهم من القائمة الأولية. كما تمّ إدراج ملف الكشف المستمر منذ سنة عن المقابر الجماعية في ترهونة في قائمة اهتمامات المجتمع الدولي مثمنين تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا واستعراضها الانتهاكات في طرابلس وترهونة وتوثيقها عبر شهادات من عين المكان.

الانتخابات هي خطوة ربما تعيد إحياء أزمة مؤسساتية ودستورية ما بعد الانتخابات، وغالباً ما تكون ملتبسة بالطعون القانونية الرامية إلى إلغاء نتائج الانتخابات ذاتها، وبالإضافة إلى الطعون فإنه لا يمكن استبعاد تزايد احتمالية ارتكاب قوى تنتهج التطرف والعنف لأعمال متفرقة بهدف تعطيل عمليات الاستقرار المستهدفة. وعدا كلمة المندوب الروسي التي أوحت بموقف بلاده العبثي إزاء القضية الليبية بدعم ترشح ممثلي النظام السابق والتأكيد على فرضية أن مسمى القيادة العامة يجب أن تلعب دورًا مهمًا في العملية المزعومة لتعزيز القوات المسلحة الليبية. فإن كلمات منذوبي الدول المذكورة أعلاه أشارت إلى الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس في ليبيا مثل وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. ولذا شدّدت في مُجمل مضمونها على الحفاظ على هذا الزخم والنتائج التي تحققت على مسار التسوية، بدعم جهود المحاكم الليبية والمحكمة الدولية لإخضاع مرتكبي الجرائم للمساءلة لضمان عدم الإفلات من العقاب وإنصاف الضحايا، فالمساءلة عن الفظائع يمكن أن تساهم في تحقيق المصالحة والسلام في ليبيا.

ولكن في بعض الحالات، طبقًا لما سبق استعراضه، فإن مجرد الإعلان عن النتائج قد يكون عملية طويلة ومنهكة، تماثل بيئة ما بعد الانتخابات أكثر من بيئة الانتخابات الجارية. الأمر الذي يتطلب إدارة دولية جديدة للأزمة تقوم بالتقييم، وبناء القدرات والتخطيط والتشاور في ليبيا وليس من بيروقراطية مكتب الأمم المتحدة في جنيف.
وانعكاسا لهذا الموقف الدولي الصلب، والبنّاء. جاءت تصريحات المسؤولين في المؤسسة الدولية بأن المندوب الأممي الأخير إلى ليبيا يان كوبيتش لم تكن إقالته مفاجئة تماماً من مهمته التي كانت خطوة رجعية للوراء، إزاء الخطوة الثورية التي قامت بها الدبلوماسية الأمريكية شتيفاني وليامز المناورة بدفع الموقف مع الطرفين الليبيين الأساسيين المتنازعين إلى حافة الهاوية بإجبار الخصم على التراجع وتقديم التنازلات لخصمه، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال المناورات الدبلوماسية، بخلق الانطباع بأن المرء مستعد لاستخدام أساليب متطرفة بدلاً من التنازل.

وإزاء هذه التطورات السلبية المحتملة فإن وظيفة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا ومهمته تطالها النظرية المابعدية بسياسة حافة الهاوية بإلزامه أن يسلم مهمته بعد أقل من سنة إلى منذوب له مؤهلات البرغماتية الأمريكية وليامز. ومن بين الأسماء المُرشحة يلوح في الأفق القريب السير نيكولاس ("نـِك") پيتر كاي"Nicholas Peter "Nick" Kay KCMG" وهو دبلوماسي بريطاني، بخلفية مخابراتية (MI6). سبق لبريطانيا أن دفعت به بديلاً ليحل محل مبعوث الأمم المتحدة لليبيا الألماني مارتن كوبلر الذي افتقد الآلية الصائبة في التعامل مع تعنت قائد مُسمى الجيش الليبي بشرق ليبيا الذي أخضعته فيما بعد هزيمته على أبواب العاصمة طرابلس للجلوس على طاولة التنازلات في مؤتمر جنيف للإقرار بسلطة رئاسة وحكومة وحدة وطنية مهمتها الأساسية عقد الانتخابات في موعدها المقرر.

إن مهمة البديل المقترح، حسب ماتسرب من كواليس الأمم المتحدة، ستكون رأب الصدع الذي أحدثه مندوبها يان كوبيش بالمهمة الأممية في ليبيا بتأييده العلني لقانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب في طبرق، من دون الحصول على دعم بقية الأطراف الليبية المعارضة للقانون في مناطق ليبيا الآساسية، وهي خطوة يعتقد البعض أنها قيّدت مرونة الأمم المتحدة إلى حد كبير. فحسب بن فيشمان، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمدير السابق لليبيا في مجلس الأمن القومي فترة الرئيس أوباما، أن دعم كوبيش لقانون الانتخابات أعطى للشرق الليبي الخاضع لسطوة ميليشيات قائد مُسمى الجيش الوطني، زخماً جديداً بعد أن صُدت محاولته الاستيلاء على العاصمة طرابلس بالقوة.

الانتخابات وما بعدها من أهم المشكلات التي صادفت علماء السياسة المقارنة، خاصة مع تعقد الظاهرة السياسية، وبسبب تناقص القدرة على التنبؤ البعيد في التحليل السياسي، وهو الأمر الذي ألغى نهائيا البحث عن نظرية عامة والاكتفاء بنظريات قصيرة المدى تعالج عجزالمنهجية التي تركن إلى المحافظة على الوضع القائم وإهمال البحث في قضايا السياسة الفعلية، وهو أمر ظهر جلياً في الحركة الما بعد السلوكية" The Post-Behavioralism". التي توخت الطرائق الضرورية لدراسة الواقع السياسي وجعلتها من أهم مطالبها.