Atwasat

صرخة في واد!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 أكتوبر 2021, 09:25 صباحا
أحمد الفيتوري

1- مما أتذكره أنه عقب انقلاب 1969م، زار على عجل محمد حسنين هيكل، صحفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر، مدينة بنغازي، التي قام الانقلاب فيها، وحيث تقيم قيادته،وكتب هيكل مقالات كعادته، عن تلك الزيارة. كانت مقالات، مليئة بالأخطاء والأكاذيب، لكن ما بقي في ذاكرتي، و ما تردد فيما بعد كثيرا: أن ليبيا بقرة حلوب، وأن الجميع ينظر إليها كذلك.

بعد ثورة فبراير، بدا أن ليبيا بقرة حلوب، لعنة تطارد هذه البلاد، فالجميع يعمل، على حلب هذه البقرة، رغم أنها بقرة فقيرة، على جميع المستويات حتى نفطيا. لكن ليبيا ظلت بلاد السلب والنهب، حتى من قبل من ليس بحاجتها، باعتبار أن: "المال السائب يعلم السرقة"، مثلما يفعل البنك الوطنى "الصديق الكبير"، أو كما يزعم أصدقاؤه، في الصحف الأمريكية الكبرى، مع ملاحظة أن ناقل الكفر ليس بكافر!، وتعلم ذاك أيضا، الشعب الفقير الليبي، فأمسى النهاب والسالب، النموذج الشاطر...

تأسيسا على ذلك، فإن أهم المسائل الوطنية أو اللاوطنية، تُطرح على بساط الدينار بل الدولار، منذ استثمار الشهداء والجرحى، فاستثمار الشباب العزاب، مرورا بالإرهاب والتطرف، فكل شيء وحتى لا شيء بثمن، كما كان يفعل "المفكر الثائر والقائد المعلم"، حينما يَعدُ الشعب المفقر، في كل ذكرى لانقلابه، بتوزيع الثروة ، باعتباره مالك المن والسلوى.

وحتى الآن، كل شأن حله سهل: خزانة البنك الوطني، وفي الأخير ليس ثمة أية حلول، بل تراكم للمشاكل، وإهدار للمال العام، والجهد والوقت. وقد غدونا نقيم الاحتفال تلو الاحتفال، ونفتعل المناسبات لهذا الإهدار. صرنا والحمد لله أسرى ما مضى، لأن حِسَنَا بالوقت اغتاله المال، ما لم يفعل شيئا، كما ضيع جهدنا ووقتنا، من أجل الحصول عليه وتبديده، حالنا في هذا، حال حمار جحا، من يربط الجزرة، في رقبة الحمار.

سلطات فبراير على الخصوص، أسيرة "فلوسنا"، وأن ليبيا البقرة الحلوب، من هذا توزع وعود الإعمار، في الخارج قبل الداخل، فيما بيد تهدم، باليد الأخرى، تبيع الماء في حارة المعمرين.

قبل الآن، تزاحمت المنظمات الدولية وشبه الدولية، ومؤسسات الدول الصديقة وما شابه، على بلاد 17 فبراير، ما حُلبت البلاد لحمايته، ثم للتخلص من نتائجه. وحتى الآن تدور الأمور، في الشارع والدولة حول المناصب، ومن يستحقها ومن لا يستحقها، في المحصلة، صارت البلاد مناصب، ما هي غنائم وهبات، وهذا أس في البلاء، وما كان جوهر التحارب، وبالتالي هو المعيق الرئيس، للانتخابات القادمة، هذا العام أو في أي عام، بل كما يبدو، ما يحكم أيضا، ما بعد الانتخابات.

2- هذا هو المشكل البنيوي، ما يواجه ليبيا وبلدان المنطقة، ما يجعل نخبة التلاعب بالمقدرات، قادرة على السيطرة، بأي سبيل على الأوضاع، حتى أن الأسماء المطروحة للفوز بالانتخابات، هي ذات الجماعة القابضة على واقع الحال، وإن ظهرت أسماء غير معروفة، لكنها أيضا من محيط ما هو حاصل.

لهذا يبدو أن هذه معضلة بنيوية، لا تحتاج إلى العمل المضني فقط، بل وبحاجة إلى الوقت أيضا، مما يجعل دول المنطقة ومنها ليبيا في وضعية محلك سر. كما بينت نتائج الربيع العربي، ما لم يحدث في تاريخ المنطقة، ما جعل البعض، يرى ويعتقد أن ما حدث إسقاط النظام، لكن المشهد يبين أن ما حدث ويحدث، أكثر تعقيد من ذلك. فليبيا على سبيل المثال، في تحارب أهلي مسلح منذ عقد، وحتى تونس تعيش هذا التحارب، بما أطلقت عليه الحرب الأهلية الباردة.

إن الصعوبة والاستعصاء، الذي تعيشه ليبيا في عنق الزجاجة، وعدم القدرة على الذهاب للانتخابات، يشير إلى أن المسألة الليبية لا تعاني من الماضى الثقيل فحسب، بل ومن المستقبل الذي يشيح بوجه الماضى مقلوبا. وهذا ما يجعل الكثيرين، لا يراهنون على الانتخابات طريقة، ويجعل الكثير من الكثيرين مستسلما: لحل "عودة البربون"، بل ويجعل قوة خارجية تروج بقوة، أن الحلّ: "مشروع سيف الإحلام"، ما لم يكن مؤهلا، وفي يده مقومات السلطة، مع الثروة والسلاح، ووراثة ظهرت مضمونة، وفي اليد القابضة!.

إذا ما هو مستعصٍ في ليبيا، هو استعصاء بنيوي داخلي، واستعصاء مفروض من منطقة، هي في قلب العالم، وفي المتوسط، ما يبدو وكأنه بالجغرافيا، خارج التاريخ، في لحظة تاريخية يتحول فيها العالم، فيما يبدو، وكأن الشرق الأوسط السكون.

عليه فإن ليبيا ليست مسألة خارجية، كما يبين إسهال المؤتمرات الدولية، التي تعقد حولها فحسب، ولكن أيضا مسألة خارجية، بأن الاستعصاء البنيوي الداخلي استثنائي، من حيث إنها بلاد مترامية الأطراف، قليلة السكان، ليس من مقوماتها تعقيدات إثنية وما شابه، وهكذا ليبيا تجعل منا نعجن ونعيد العجن، فهي كما يبدو، تلخص مسألة السهل الممتنع.